من الأفراد إلى الشركات.. ضريبة المداخيل العقارية تُقتطع من المنبع

حسين العياشي

امتد النقاش حول مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل: توسيع نظام الاقتطاع من المنبع ليشمل الدخول العقارية الخاصة بالشركات. الخطوة، الواردة في المادة الرابعة من المشروع، لا تنطلق من فراغ؛ فهي تندرج على خطّ الآلية نفسها المطبّقة منذ سنوات على مداخيل الأفراد من الإيجارات، لكنها تفتح هذه المرة ملفاً أشمل يلامس علاقة المقاولة بالخزينة، ويحرّك أسئلة الامتثال والكلفة والإشعار والعدالة على حدّ سواء.

في قاعة مجلس النواب، لم يقتصر النقاش على المبدأ، بل انصبّ أيضاً على التقنية: كيف سيُشعَر الملزمون؟ من الطرف الذي سيتولّى الاقتطاع عملياً؟ ما هي آجال التسوية، وكيف ستُعالج حالات الاختلاف أو الاسترجاع؟ برلمانيون اعتبروا أن أي توسيع دون مساطر تواصل واضحة وآجال مضبوطة قد يربك التدبير اليومي للشركات، ويخلق تناقضاً بين نقدية المقاولة والتزاماتها الجبائية، مع ما يستتبع ذلك من كُلف امتثال إضافية على المحاسبة والموارد البشرية.

في المقابل، قدّم الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، قراءة رقمية وسياسية للإجراء، مذكّراً بأن الاقتطاع من المنبع على الدخول العقارية للأفراد مكّن من تعبئة موارد تفوق ستة مليارات درهم، ومعتبِراً أن الآلية معتمدة دولياً لضمان استخلاص الضريبة وحصر هوامش التهرّب. وزاد الوزير أن المقاربة المطروحة تقوم على التدرّج، بما يسمح باستيعاب التغيير وتخفيف آثاره الانتقالية.

بين هذا وذاك، يتموضع الجدل في مسافتين متوازيَتين: الأولى قانونية تقنية تبحث عن تعريفات دقيقة للملزمين بالاقتطاع، ونِسَبِه، ومتى يُحتسب، وكيف يُسوّى؛ والثانية اقتصادية عملية تُفكّر في أثر الإجراء على السيولة داخل الشركات وعلى سلاسة العلاقة بينها وبين المكتريين والوسطاء والموثقين ومسيّري الأملاك. فالمبدأ قد يبدو بسيطاً على الورق، غير أن تنزيله يتطلب بنية رقمية متماسكة، ونماذج تصاريح مبسّطة، وآليات اعتراض واسترجاع سريعة، حتى لا يتحوّل الاقتطاع إلى عبء إداري يثقل المعاملات.

المؤكد أن توسيع الوعاء الضريبي هدفٌ تتبناه الحكومات عادةً باسم الإنصاف وتكافؤ التحملات، لكن التجربة تُظهر أن التفاصيل الإجرائية هي التي تحسم قبول السوق ونجاعة التحصيل. من هنا تبدو عين الفاعلين الاقتصاديين على النصوص التطبيقية بقدر ما هي على النص الأصلي: هل سيتضمن النظام فترات انتقالية واضحة؟ هل ستُعتمد قنوات إشعار رقمية ملزمة؟ ما موقع الحالات الخاصة كالعقود القديمة أو الإيجارات الموسمية؟

إلى أن تتضح الإجابات في الصيغة النهائية للمشروع وما سيواكبها من تدابير تنفيذية، يبقى الاقتطاع من المنبع بين حجّتَين: حجّة ترى فيه أداة مباشرة لتأمين التحصيل وتقليص فجوات العدالة الجبائية، وأخرى تحذّر من عواقب إجرائية غير محسوبة إن لم تُضبَط المساطر مسبقاً. وعلى هذا الخيط الدقيق، سيُقاس نجاح الإصلاح من قدرة النص على الجمع بين صرامة التحصيل وسلاسة الامتثال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى