من التشريع إلى التطبيق.. هل يحصل العمال المنزليون على حقوقهم فعليًا؟

ملاك احديود :صحافية متدرية

بمناسبة اليوم العالمي للعاملات والعمال المنزليين، الذي يصادف 16 يونيو من كل سنة، تتجدد الدعوات إلى الاعتراف الفعلي بحقوق هذه الفئة التي تشتغل في صمت داخل البيوت، وتُساهم بشكل يومي في استقرار الأسر والمجتمع.

ورغم المكتسبات التشريعية، خصوصًا بعد مصادقة المغرب على الاتفاقية 189 لمنظمة العمل الدولية، واعتماد القانون 19.12 المنظم لعلاقات الشغل الخاصة بالعمال المنزليين، إلا أن الواقع العملي لا يزال يطرح تساؤلات حقيقية حول جدية الالتزام بتطبيق هذه القوانين.

المنظمة الديمقراطية للعاملات والعمال المنزليين شددت في بيان لها على أن هذه الفئة لا تزال تعاني من الهشاشة والتهميش، حيث يشتغل أغلبهن في القطاع غير المهيكل، دون عقود عمل، أو تغطية اجتماعية، أو حماية من الطرد التعسفي وسوء المعاملة.

وتشير تقديرات إلى أن أزيد من 80 في المائة، من العاملات المنزليات يعملن خارج أي إطار قانوني، وغالبًا بأجور منخفضة لا تتجاوز نصف ما تتقاضاه النساء في قطاعات أخرى، بينما تُعد العاملات المهاجرات، خاصة غير النظاميات، الأكثر عرضة للاستغلال وانتهاك الحقوق الأساسية.
ورغم أن القانون المغربي ينص بوضوح على ضرورة التصريح بالعاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتوقيع عقود شغل مكتوبة، إلا أن التطبيق ما زال ضعيفًا، في ظل غياب آليات مراقبة فعالة، وعدم وعي العديد من المشغّلين بواجباتهم القانونية. كما أن طبيعة العمل المنزلي، الذي يتم داخل فضاء خاص ومنعزل، تصعّب من عملية التفتيش وتجعل تنظيم العاملات نقابيًا أمرًا معقدًا.
المنظمة دعت إلى تفعيل حقيقي لمقتضيات القانون، مع تكثيف حملات التوعية وسط العاملات والمشغّلين على حد سواء، وتعزيز جهاز تفتيش الشغل بوسائل تمكنه من مواكبة هذا الملف، بالإضافة إلى ضرورة تبسيط إجراءات تسجيل العاملات في الضمان الاجتماعي، ومنح حوافز لتشجيع أصحاب العمل على الامتثال. كما طالبت بضرورة حماية العاملات المهاجرات وضمان حقهن في الاشتغال داخل إطار قانوني وإنساني، وبإشراك ممثلات هذه الفئة في الحوار الاجتماعي، من أجل بلورة سياسات عمومية أكثر عدالة وواقعية.
وبين هذا وذاك، تطرح هذه المناسبة أسئلة جوهرية حول مدى التقدم المحقق منذ دخول القانون حيز التنفيذ. لماذا لم يتحول هذا النص التشريعي إلى واقع ملموس داخل البيوت المغربية؟ ومن يحاسب من يُشغّل القاصرات أو يمتنع عن التصريح بالعاملات؟ وكيف يمكن تحفيز المجتمع على تجاوز النظرة التقليدية للعمل المنزلي كخدمة ثانوية، والنظر إليه كمهنة تستحق الاحترام والحقوق الكاملة؟
لقد بات من الضروري اعتبار العمل المنزلي جزءًا من النسيج الاقتصادي الوطني، وتوفير بيئة عادلة تحفظ كرامة من يمارسه. فبدون ذلك، ستبقى هذه الفئة حبيسة التهميش، رغم القوانين، ورغم الشعارات. إن الكرامة لا تتحقق بالنصوص فقط، بل بإرادة جماعية لتغيير العقليات، وتفعيل القوانين، والإنصات لصوت من يشتغلن خلف الأبواب المغلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى