من المسيرة الخضراء إلى نيويورك: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يحسم المعادلة

حسين العياشي
كرّست القرار الأخير لمجلس الأمن، عملياً، سيادةَ المغرب على الصحراء، في محطةٍ دبلوماسية يعدّها مراقبون من أبرز إنجازات عهد الملك محمد السادس. هذا التقدير يتقاطع مع ما أورده الصحافي الإسباني “إل موندو”، الذي رأى في النص الأممي مصادقةً على انتماء الأقاليم الجنوبية إلى المملكة، وترسيخاً لمسار سياسي راكمته الرباط على امتداد عقود.
تستعيد الصحيفة صفحةً بعيدة من التاريخ لتفسير ما يجري اليوم: ففي عام 1777 كان المغرب أول دولةٍ تعترف باستقلال الولايات المتحدة، لفتةٌ مؤسِّسة ظلّت تُغذّي تفاهماتٍ أمريكية–مغربية راسخة. على هذا الخيط الرمزي شدّ الرئيس دونالد ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2020، حين أعلن اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، في إطار مقاربةٍ أوسع لإعادة تركيب التوازنات في الشرق الأوسط. أراد ترامب، بحسب “إل موندو”، أن ينضم المغرب إلى مسار اتفاقات السلام التي رعتها إدارته، فجاءت “إعلانٌ دبلوماسيٌ ثقيلُ الوزن”: اعترافٌ رسمي بالسيادة المغربية وتقاربٌ تاريخي مع تل أبيب.
لم تتراجع إدارة جو بايدن عن ذلك الاعتراف، وإن حافظت على قدرٍ من التحفّظ الخطابي حيال ملف الصحراء. وتضيف الصحيفة أن مهارة الرباط وصبرها الدبلوماسيَّين حملا ثمارهما، خصوصاً مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض قبل عام، ما أتاح للمغرب توسيع هامش المكاسب في لحظةٍ مواتية.
في هذا السياق، بدا التصويت في نيويورك يوم الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول بمثابة أكبر انتصار سياسي للرباط؛ إذ ثبّت القرارُ الأممي فكرة أن الحكمَ الذاتي تحت السيادة المغربية حلٌّ واقعي قابلٌ للحياة، وجدد في الآن ذاته ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو). وتلاحظ “إل موندو” أن القوى الدولية الكبرى تميل اليوم إلى تبنّي مقترح الرباط، بما يطوي عملياً صفحةَ رهانِ “تقرير المصير” كما طُرح لعقود.
منذ وقف إطلاق النار عام 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ظلّ مسارُ الاستفتاء يصطدم بجدار الشلل الدولي. ومع تقديم الرباط رسمياً خطةَ الحكم الذاتي عام 2007، تبدّل المشهد: أعلنت المملكة أنها لن تقبل بأي تسوية لا تعترف بسيادتها على الإقليم. ثم جاءت خطوةُ 2020 الأمريكية لتسدّد ضربةً قاصمة للمشروع الانفصالي، وتؤثر في حسابات عواصم عديدة.
على هذا المنوال، غيّرت إسبانيا بوصلتها في مارس/آذار 2022، معتبرةً أن مبادرة الحكم الذاتي هي “القاعدة الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” للحل، في قطيعةٍ مع حيادٍ تاريخي طال أمده. وتدريجياً، اصطفّت فرنسا خلف المقاربة المغربية، مع قناعة لدى الرئيس إيمانويل ماكرون بأن الحكمَ الذاتي الإطارُ الوحيد لتسويةٍ مستدامة، رغم التوترات مع الجزائر. وفي صيف 2025 التحقت المملكة المتحدة بهذا الخط، فيما افتتحت دولٌ إفريقية وشرق أوسطية ولاتينية قنصلياتٍ في العيون والداخلة، استجابةً لدبلوماسيةٍ براغماتية نسجتها الرباط على مهل.
يخلص تحليل “إل موندو” إلى أن جيوبوليتيك عقدٍ مضطربٍ خدمَ المصالحَ المغربية: فالعواصم الغربية باتت ترى في استقرار المملكة نقيضاً للفوضى التي عصفت بليبيا، ما جعل المغربَ شريكاً يُعوَّل عليه في معادلة الأمن الإقليمي، ويمنحُ مقاربته للحكم الذاتي زخماً دولياً غير مسبوق.





