من حرب الرمال إلى مفاوضات السلام: قراءة نفسية–سياسية في توازن الحكمة والحزم المغربي

فؤاد يعقوبي*
*مختص في علم النفس الإجتماعي في السياق المغربي

 

خلال حرب الرمال سنة 1963، التي نشبت بين المغرب والجزائر بعيد استقلال الأخيرة، أصدر الملك الحسن الثاني أوامره إلى الجنرال إدريس بنعمر بالانسحاب وإعادة القوات المغربية إلى مواقعها الأصلية، رغم التفوق العسكري الواضح الذي حققته القوات المغربية على الميدان.

كان ذلك القرار مثار جدل داخل الأوساط العسكرية، إذ اعتبره الجنرال بنعمر متعارضا مع المنطق العسكري وتقاليد الجيوش المنتصرة، لكنه امتثل للأمر الملكي احتراما للسلطة الشرعية وانضباطا للمؤسسة العسكرية.

وقد جسد الموقف الملكي حينها رؤية سياسية بعيدة المدى، هدفها تفادي التصعيد والحفاظ على مبدأ حسن الجوار في ظرف إقليمي شديد الحساسية.

اليوم، ومع عودة الحديث عن مفاوضات السلام بين المغرب والجزائر، تبدو استعادة هذا الحدث التاريخي ضرورية لفهم البعد النفسي والسياسي في العلاقة بين البلدين. فالذاكرة المغربية ما تزال تحمل أثر تلك المرحلة، حيث اختار المغرب منطق التهدئة والحكمة على حساب الغلبة الميدانية. غير أن المعطيات الميدانية والذهنيات المهيمنة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، كما لمسها المراقبون والمهتمون بالمناطق الحدودية على مدى سنوات، تكشف استمرار حالة من التحفظ وسوء النية والنزعة العدوانية الكامنة تجاه كل ما هو مغربي.

لقد أتاح لي العيش تسع سنوات ونيف في المناطق الحدودية الجزائرية فهما مباشرا لطبيعة هذه العقلية العسكرية، التي ما تزال تدار بمنطق الصراع التاريخي لا بمنطق التعاون الإقليمي.

ومن هذا المنطلق، فإن أي مقاربة سلمية اليوم يجب أن تبنى على الوعي النفسي والسياسي العميق بطبيعة الفاعل الجزائري، وعلى إدراك أن حسن النية وحده لا يكفي لإنتاج سلام حقيقي ومستدام.

هنا نجد أن ضرورة الحزم السياسي والدبلوماسي، القائم على الدفاع الصارم عن السيادة الوطنية مع الحفاظ على قنوات الحوار، هو السبيل الأمثل لتفادي تكرار سيناريو 1963 في سياق أكثر تعقيدا وتحديا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى