نجيب: أعوان الحراسة قدّموا التضحيات ووزارة الصحة تكافئهم بالإقصاء دون وجه حق

حسين العياشي
تفجّرت في الأيام الأخيرة موجة غضب واسعة في صفوف أعوان الحراسة والنظافة العاملين بالمستشفيات العمومية، عقب قرارات وُصفت بالمجحفة أصدرتها وزارة الصحة، قضت بإقصاء عدد من الأعوان بدعوى عدم توفرهم على مستوى دراسي لا يقل عن السابعة إعدادي. قرارات نزلت كالصاعقة على هذه الفئة التي كانت ولا تزال تُعتبر الدعامة الخفية لاستمرارية العمل داخل المؤسسات الصحية، تؤمّن المرافق، وترافق المرضى، وتتحمل أعباء المهنة في صمت مقابل أجور زهيدة وظروف عمل قاسية.
القرار فجّر موجة من السخط، سرعان ما تحوّلت إلى تحرك نقابي منظم بعدما دخلت النقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على خط الأزمة. النقابة اعتبرت أن وزارة الصحة تتحمل “المسؤولية الكاملة عن تشريد مئات الأسر وضرب مبدأ الاستقرار الاجتماعي والمهني عرض الحائط”، ووصفت القرار بأنه “ظالم وإقصائي”، يتنافى مع التوجهات الحكومية التي ترفع شعار العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
وفي تصريح ل”إعلام تيفي”، أكدت الكاتبة العامة للنقابة، لبنى نجيب، أن المكتب النقابي قرر الشروع في خطوات احتجاجية تصعيدية، تبدأ بوقفات جهوية أمام مندوبيات الصحة، وقد تتطور إلى إنزال وطني إذا استمرت الوزارة في تجاهل مطالب العاملين. وأوضحت نجيب أن “قرارات الوزير غير مسؤولة وتمسّ شريحة ضحت طويلاً في سبيل استمرارية المرافق الصحية”، مشددة على ضرورة التراجع الفوري عن هذا القرار، واستثناء الأعوان ذوي الأقدمية من أي شرط تعليمي لاحق.
وأضافت أن عدداً من هؤلاء العمال يعيشون اليوم حالة خوف على مصيرهم ومصير أسرهم، خاصة في مدن تعرف هشاشة اقتصادية وندرة في فرص العمل مثل مكناس وتاوريرت وغيرها. من غير المعقول ـ تقول نجيب ـ أن تتم معاقبة من يضمن حسن سير المستشفيات في أحلك الظروف بشبح الإقصاء، بينما يُكافأ آخرون على مجرد تسييرهم من المكاتب المكيفة.
وفي لهجة حازمة، حمّلت نجيب الوزارة المسؤولية المباشرة عن الأزمة، موضحة أن الشركات المتعاقدة لا تملك صلاحية مخالفة قرار صادر من الإدارة الوصية، وأن تحميل الأعوان مسؤولية فشل المنظومة الصحية أمر غير مقبول، فهم ليسوا شماعة تُعلّق عليها السياسات الارتجالية.
واستغربت النقابة، على لسان كاتبتها العامة، المفارقة التي يعيشها القطاع، حيث يتولى مسؤولون مناصب حساسة دون أن يتوفروا على مؤهلات دراسية عالية، دون أن يُقصوا أو يُراجع وضعهم، بينما يُقصى من خدم المؤسسات الصحية بعرق جبينه بدعوى المستوى الدراسي.
هذا الجدل يعيد إلى الواجهة سؤالاً أكبر حول هشاشة التشغيل في القطاع الصحي، إذ يعيش آلاف العمال على هامش المنظومة في إطار عقود مناولة تفتقر إلى أبسط ضمانات الاستقرار المهني والاجتماعي. وبينما تبرر بعض الجهات داخل الوزارة القرار بأنه خطوة لتأهيل الموارد البشرية وتحسين جودة الخدمات، ترى النقابات أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من صون كرامة العاملين، لا من طردهم.
هكذا تتحول قضية أعوان الحراسة والنظافة إلى مرآة عاكسة لاختلالات عميقة في تدبير العنصر البشري داخل قطاع حساس، وتضع وزارة الصحة أمام سؤال إنساني قبل أن يكون إدارياً: هل تنتصر للمعايير البيروقراطية الجافة، أم لمن وقفوا في الصفوف الخلفية، يسهرون على أمن المرضى ونظافة المستشفيات حين كان الجميع يلوذ بالبيوت؟





