نساء المغرب.. شهادات عليا بلا فرص شغل! (تقرير)

حسين العياشي
كشف تقرير جديد للبنك الدولي أن مشاركة النساء في سوق الشغل ما تزال عند مستويات متدنية، رغم الارتفاع غير المسبوق في أعداد المغربيات الحاصلات على الشهادات العليا. المفارقة التي وصفتها المؤسسة الدولية بـ”هدر للطاقات” تمثل، وفق التقرير، أحد أبرز العوائق البنيوية أمام تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام.
التقرير الصادر تحت عنوان “العمل والنساء.. طاقات غير مستغلة ونمو غير متحقق”، والذي تم تقديمه الثلاثاء بالرباط، يقدم صورة دقيقة لكنها مقلقة عن واقع النساء في سوق الشغل المغربي، في وقت تشهد فيه بلدان أخرى في المنطقة تحولات عميقة في هذا المجال. روبيرتا غاتي، كبيرة الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، لم تخف قلقها خلال مداخلتها بالندوة، مشيرة إلى أن معدلات مشاركة النساء في المنطقة هي الأضعف عالمياً، سواء في الدول الغنية أو ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وفي المدن كما في الأرياف.
اللافت أن بعض البلدان، مثل السعودية، حققت قفزة مهمة برفع نسبة مشاركة النساء في العمل من 20% إلى 34% خلال عقد واحد، في حين ظل المغرب، إلى جانب مصر وإيران والأردن، شبه جامد، بل يسجل تراجعاً في مشاركة الشابات المتعلمات مقارنة بالأجيال السابقة. وهي مفارقة تنذر بخسارة اقتصادية واجتماعية باهظة الثمن.
لكن ما الذي يفسر هذا التراجع وسط نساء أكثر تعليماً وانفتاحاً؟ البنك الدولي يرى أن الأسباب متشابكة ومتداخلة، تبدأ من الأعراف الاجتماعية المحافظة والقوانين غير المنصفة، وتمتد إلى غياب البنية التحتية الداعمة لمشاركة النساء في الحياة المهنية. فالنقل العمومي غير الآمن، وارتفاع كلفة خدمات رعاية الأطفال، وتردد الأسر في الاستعانة بها، كلها عوامل تخلق واقعاً يعيق المرأة عن العمل خارج البيت.
وفي المقابل، لا تبدو فرص العمل نفسها مشجعة. فالقطاع الخاص في المنطقة، كما يشير التقرير، لا يوفر ما يكفي من وظائف نوعية، ويعاني من ضعف في الابتكار، فضلاً عن استمرار مظاهر التمييز المهني، خاصة في المؤسسات الصغيرة أو ذات الطابع الخدماتي. هذا الوضع يجعل الوظيفة العمومية الوجهة المفضلة للنساء المؤهلات، بحثاً عن الأمان والاستقرار، وإن كان ذلك على حساب روح المبادرة وريادة الأعمال.
ويشدد التقرير على أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق عبر إجراءات جزئية أو معزولة. فمحو التمييز في التوظيف وحده لا يكفي ما دامت كلفة رعاية الأطفال مرتفعة، وما دامت القيم الاجتماعية لا تزال تقيد حرية المرأة في العمل. البنك الدولي يدعو إلى مقاربة شاملة تمس القوانين، والبنيات التحتية، والعقليات في آن واحد.
من بين التوصيات الأساسية، الدعوة إلى إصلاح الإطار القانوني لضمان المساواة في الأجر بين الجنسين، وإلغاء القيود القديمة على بعض المهن، وتطبيق صارم لقوانين مكافحة التحرش. كما يشجع التقرير على إطلاق حملات تواصلية لتغيير الصورة النمطية حول عمل المرأة، وإبراز نماذج نسائية ناجحة في مختلف القطاعات. إلى جانب ذلك، يوصي التقرير بتوسيع خدمات النقل الآمن، وتوفير حضانات بأسعار معقولة، وتحسين الإنارة والأمن في الفضاءات العامة، باعتبارها عناصر حاسمة في تمكين النساء من الخروج إلى العمل بثقة.
ولا يغيب عن التقرير البعد الاقتصادي الصرف، إذ تؤكد روبيرتا غاتي أن “المنطقة لم تعد تملك ترف تجاهل نصف طاقاتها البشرية”، معتبرة أن رفع مشاركة النساء في سوق الشغل لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة تنموية ملحة. فالمكاسب المحتملة من انخراط النساء في الاقتصاد ضخمة، بينما كلفة الجمود تتزايد سنة بعد أخرى.
إن الرسالة التي يوجهها البنك الدولي واضحة: لا يمكن لأي اقتصاد أن يحقق نموه الكامل طالما أن نصف مواطنيه خارج دائرة الإنتاج. وتمكين المرأة ليس شعاراً للمساواة فحسب، بل رهان وجودي على مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً، في المغرب كما في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.





