نصف المسنين المغاربة بلا دخل قار.. والمجلس الاقتصادي يدق ناقوس الخطر

حسين العياشي
أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ناقوس الخطر بشأن وضعية المسنين في المغرب، مبرزًا أن البلاد تواجه تحولات ديموغرافية متسارعة تستدعي استراتيجيات عمومية شاملة لإدماج هذه الفئة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. اللقاء، الذي خُصص لتقديم التقرير السنوي للمجلس لسنة 2024، جاء بعنوان “الاندماج الاجتماعي والاقتصادي لكبار السن في المغرب: نحو الاستعداد الأفضل للشيخوخة السكانية السريعة”، وكشف أرقامًا ومعطيات مثيرة للقلق حول واقع المسنين في المملكة.
التقرير أوضح أن أكثر من نصف المسنين المغاربة، أي بنسبة 52,4 في المائة، يعيشون دون دخل ثابت، فيما لا يستفيد من معاشات التقاعد سوى أقل من نصفهم بنسبة 49,2 في المائة. وعلى المستوى الاجتماعي، تظل الأمية سمة غالبة، إذ تصل إلى 71,6 في المائة في صفوف من تجاوزوا الستين، في وقت يعاني فيه كثيرون من العزلة وضعف البنى التحتية الموجهة لهم، إضافة إلى شبه غياب للفضاءات الثقافية والرياضية والترفيهية الخاصة بهذه الفئة. أما صحيًا، فلا يتجاوز عدد المستشفيات العمومية المتخصصة في طب الشيخوخة مستشفيين اثنين، يوجدان معًا في جهة الرباط-سلا-القنيطرة، بينما تظل خدمات الرعاية المنزلية محدودة للغاية.
رئيس المجلس عبد القادر أمارة أكد أن المغرب يعرف تحولات عميقة على المستوى الديموغرافي، إذ ارتفعت نسبة المواطنين البالغين ستين عامًا فأكثر من 9,4 في المائة سنة 2014 إلى 13,8 في المائة سنة 2024، أي ما يزيد على خمسة ملايين شخص. وأوضح أن هذه الفئة بعيدة عن أن تكون متجانسة، فبينما يساهم البعض منهم بشكل فاعل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، يحتاج آخرون إلى رعاية خاصة وتدابير موجهة.
التقرير انتقد استمرار النظرة التقليدية التي تعتبر المسنين مجرد فئة هشة ومتجانسة، مشددًا على أنهم يمثلون في الواقع رأسمالًا بشريًا يمكن أن يسهم في التنمية من خلال الخبرة والتطوع ونقل المهارات والادخار والاستهلاك. ومن هذا المنطلق، دعا المجلس إلى استثمار إمكانيات ما يسمى بالاقتصاد الفضي باعتباره قطاعًا واعدًا قادرًا على خلق مناصب شغل جديدة وتنويع الاقتصاد وتعزيز التماسك الاجتماعي.
ولتحقيق ذلك، أوصى المجلس بجملة من الإجراءات من بينها إعادة تقييم المعاشات وتكييف التغطية الصحية مع احتياجات كبار السن وتوسيع خدمات الرعاية المنزلية، مع فتح المجال أمام دمجهم في سوق الشغل وفق صيغ مرنة، ومنح تحفيزات ضريبية للشركات التي توظف هذه الفئة. كما دعا إلى تشجيع ريادة الأعمال ونقل المهارات بمشاركة المغاربة المقيمين بالخارج، والعمل على تطوير قطاع منظم للاقتصاد الفضي مستلهم من التجارب الدولية الناجحة.
وفي أفق أكثر شمولية، شدد المجلس على ضرورة اعتماد قانون إطار يحدد الأهداف والالتزامات العمومية تجاه المسنين، إلى جانب تسريع وتيرة تنفيذ خطة العمل الوطنية للشيخوخة النشطة للفترة 2023-2030. وأكد عبد المقصود رشدي، عضو المجلس ومقرر الملف، أن إدماج كبار السن ليس فقط واجبًا اجتماعيًا، بل يمثل كذلك فرصة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في المغرب.
أمام هذه المؤشرات والتحذيرات، يبدو أن التحدي المطروح أمام السياسات العمومية لا يقتصر على ضمان الكرامة المعيشية لكبار السن، بل يتجاوز ذلك إلى تحويل الشيخوخة السكانية إلى رافعة اقتصادية واجتماعية، بما يعزز التنمية ويضمن للمغرب استثمار خبرات أبنائه في كل مراحل العمر.





