نعوم ل”إعلام تيفي”:”موقف زوما يُسقط وهم الموقف الموحد لجنوب إفريقيا بشأن الصحراء”

فاطمة الزهراء ايت ناصر
أكّد عبد الفتاح نعوم، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن إعلان حزب “رمح الأمة” المعارض في جنوب إفريقيا دعمه لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل تحولًا سياسيًا فارقًا يضرب في العمق أطروحة الانفصال داخل القارة الإفريقية، ويفضح الأسطورة التي لطالما روّج لها زعماء الحزب الحاكم بأن موقف جنوب إفريقيا من الصحراء هو موقف موحد وإجماعي.
وأوضح نعوم لـ”إعلام تيفي” أن دعم الرئيس السابق جاكوب زوما لمبادرة الحكم الذاتي المغربية يُظهر بشكل جلي أن هذا الموقف ليس موقفًا تقليديًا ولا مبدئيًا لجنوب إفريقيا، بل هو “موقف طارئ” ظهر في مرحلة ما بعد نيلسون مانديلا، خاصة منذ سنة 2004، حين فشل مشروع جيمس بيكر لمنح حكم ذاتي مؤقت ينتهي باستفتاء.
وأشار إلى أن التحولات السياسية داخل جنوب إفريقيا منذ 2018، والتصدعات التي عرفها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ساهمت في تفكيك هذا “التحالف الإيديولوجي” مع الطرح الانفصالي، معتبرًا أن تصريحات زوما اليوم، وهو رئيس سابق ما زال يحظى بثقل رمزي داخل الحزب، تُعبّر عن بداية نهاية الرواية الأحادية التي كانت الجزائر والبوليساريو تتوارى خلفها بدعوى أنها “موقف دولة وموقف نخب”.
وكشف نعوم أن هذا الموقف ليس معزولًا، بل يأتي في سياق سياسي أوسع، يشمل تغيرات في مواقف مسؤولين كبار، مثل أوبيت بابيلا، نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم، الذي سبق له أن عبّر عن تقارب واضح مع الطرح المغربي. كما أن الهشاشة السياسية للحكومة الحالية في جنوب إفريقيا، والتي لم تعد تحتكر الأغلبية، تُهيّئ الأرضية لنقاش داخلي مفتوح حول قضية الصحراء، قد يفرز مزيدًا من المواقف المؤيدة للمقترح المغربي.
واعتبر أن أهمية هذا الإعلان لا تقتصر فقط على ما يُمثّله من دعم سياسي خارجي، بل تتعداه إلى كونه “كسرًا لحاجز الصمت داخل جنوب إفريقيا نفسها”، حيث لم يكن يُسمع سوى صوت واحد يعارض الوحدة الترابية للمملكة، مضيفًا: “الآن أصبح هناك نقاش داخلي حقيقي، وهناك نخب تنظر إلى الموضوع من زاوية براغماتية، مثل كينيا ونيجيريا، بعيدًا عن إرث الحرب الباردة”.
وشدّد نعوم على أن مقترح الحكم الذاتي المغربي يُعبّر عن رؤية واقعية وسلمية وديمقراطية لحل نزاع طال أمده، وهو الحل الذي يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل تحول المزاج الإفريقي نحو التعاون الإقليمي وتجاوز منطق التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي سياق سياسي يتسم بإعادة ترتيب الأولويات داخل القارة الإفريقية، اختار حزب “أومكونتو ويسيزوي” الجنوب إفريقي، بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، أن يعبّر من الرباط عن دعم واضح وصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، تحت سيادة المملكة المغربية.
الحزب، الذي يُعد ثالث أقوى تمثيلية داخل البرلمان الجنوب إفريقي، دعا المجتمع الدولي إلى تبني هذا المقترح العملي ودعمه، معتبرًا أنه يضمن تسيير سكان الأقاليم الصحراوية لشؤونهم المحلية، مع الحفاظ على وحدة التراب الوطني المغربي واستقرار المنطقة.
هذا التطور السياسي يضع حدًا لما وُصف طويلًا بـ”الإجماع” داخل الطبقة السياسية الجنوب إفريقية بشأن دعم الأطروحة الانفصالية. كما أنه يكشف عن تباينات داخلية متزايدة، لاسيما بين الحزب المعارض وحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم.
ورغم أن دعم الحزب المعارض لمبادرة الحكم الذاتي قد يُقرأ لدى البعض باعتباره امتدادًا للصراع السياسي الداخلي، فإن متابعين يؤكدون أنه يتجاوز البُعد الحزبي، ليعكس تحولاً تدريجيًا في المزاج السياسي العام داخل جنوب إفريقيا، نحو قراءة أكثر واقعية وبراغماتية للقضايا الإقليمية.
ويشير عدد من المراقبين إلى أن هذا الموقف الجديد يُعبّر عن تنامي وعي سياسي في جنوب إفريقيا بضرورة تجاوز الخطابات المتكلسة التي رافقت مرحلة ما بعد الاستعمار، والانخراط في رؤى جديدة تقوم على تحالفات استراتيجية ومصالح اقتصادية مشتركة، بعيدًا عن الحسابات الإيديولوجية البالية.
كما أن اتساع هذا النقاش داخل الساحة السياسية الجنوب إفريقية –حتى داخل الحزب الحاكم نفسه– قد يُمهّد الطريق لمراجعة شاملة في مواقف البلاد من قضية الصحراء، وفك الارتباط السياسي والإعلامي مع روايات تم ترويجها لعقود، باسم “الوفاء التاريخي” أكثر مما كانت نابعة من تحليل عقلاني للواقع الجيوسياسي.