هدايا الحكومة الملغمة تصيب الجسد النقابي بالوهن

بشرى عطوشي
هل سيخرج رئيس الحكومة دفتر الشيكات بعد 10 أيام حددتها النقابات له، للرد على نقطة الزيادة في الأجور؟ وهل سيفي بما سبق والتزم به مع الفرقاء في جولات سابقة من الحوار الاجتماعي وحتى في الجولة الحالية، أم سيمر على كل ما اتفق بشأنه مرور الكرام؟
جولة الحوار الاجتماعي التي عقدت أول أمس الثلاثاء، أراد من خلالها رئيس الحكومة وككل مرة، أن يكون مطمئنا في آن واحد، ولطيفا للغاية شريطة أن يظل محاوروه هادئين ولا يلجؤون إلى الإضرابات والاحتجاجات في المقبل من الأيام.
وخلافاً للاجتماعات السابقة من حيث الشكل والمضمون، حظيت جلسة أول أمس، التي كانت قد وعدت النقابات بمقاطعتها، بالهدوء وأيضا بالتفاوض حول نقاط عالقة من اتفاق أبريل الماضي.
جولة أول أمس لم تخلف صدى كما كانت تخلفه الجولات السابقة، هل بسبب اجترار الأسطوانة نفسها أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، ليست عاصفة النقابات بل عاصفة الحكومة التي لازال بجعبتها بعد تمرير القانون التنظيمي للإضراب، مشروع إصلاح منظومة التقاعد وقانون النقابات.
للمرة الأولى، قرر رئيس الحكومة، استقبال النقابات الواحدة تلو الأخرى، حسب الترتيب من حيث الأهمية، لتجنب المفاجآت غير السارة، وللحيلولة دون أي محاولة لعرقلة هذا الاجتماع، خاصة وأن عيد العمال على الأبواب في الأول من ماي المقبل.
بكل لطف، وكعادة (رجال الأعمال)، لم يجب رئيس الحكومة، الذي كان محاطا بالوزراء المعنيين، عن النقاط التي تطرقت لها النقابات، كزيادة 1000 درهم في أجور الموظفين، وتخفيض في ضريبة الدخل على الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فضلا عن زيادة بنسبة 10% في الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاعين الصناعي والتجاري، وكذا المهن الحرة، والقطاع الفلاحي.
رئيس الحكومة الذي خرج من الاجتماع، مشيدا بالقيادات النقابية من خلال ترحيبه بمناخ المسؤولية الذي ساد بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، والذي سمح بتهدئة الوضع حتى في المقبل من الأيام.
ويبدو أن رئيس الحكومة كان متأكدا من أنه يملك زمام الأمور في مثل هذه الاجتماعات، خصوصا بعد تمرير القانون التنظيمي للإضراب، في الغرفة الثانية، التي يعد ممثلوها من الموكول لهم الدفاع عن الشغيلة.
المتابع والمراقب للأحداث، يعرف خير المعرفة أن الحكومة بإمكانها در الرماد في عيون الطبقة العاملة دون أن تدري النقابات بأن الثيران بمختلف ألوانها أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
إذا كانت الحكومة أو حتى الحكومات المتعاقبة لم تنفذ بعد ما سبق ووعدت به الشغيلة منذ سنوات، فكيف سيتم تنفيذ المقبل من التعهدات.؟
إن هذا الثلاثي، الحكومة، النقابات، والباطرونا، دائما ما يبحث عن الخروج من عنق زجاجة الشغل بأقل الخسائر، والأجير يبقى أضعف حلقة في سلسلة هذا الثلاثي.
في هذا الصدد لا بد من التذكير بأن مشروع القانون التنظيمي للإضراب، الذي كان يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات فيه، مراوغا معتمدا من قبل الحكومة، أمام المعارضة في غرفتي البرلمان، مر مرور الكرام من أمام اعين النقابات التي ظلت لمدة قبل المصادقة عليه تتهرب قدر المستطاع من الرد على استفسارات وسائل الإعلام ومدى قدرتها على فرض رأيها في المشروع.
إن مشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي تم تمريره بالأغلبية في مجلس المستشارين، هي النقطة التي تؤكد بالملموس، أن الحكومة تبحث في كل مرة إضعاف النقابات، وإفراغ العمل النقابي من أهميته لدى الأجير لصالح “الباطرونا” التي دافعت بشراسة عن القانون التنظيمي للإضراب.
إذا ظلت النقابات تنتظر أن تعطيها الحكومة فرصتها للعودة بقوة للمشهد النقابي، فالحكومة دائما تجر السجاد من تحت النقابات، وقد نجحت نسبيا في ذلك.
خروج وتأسيس تنسيقيات للدفاع عن الأجراء في مختلف القطاعات، ما هو إلا رد مباشر على هذا الضعف والوهن الذي أصاب النقابات.





