“هدايا رمزية للأساتذة” … مبادرة حسنة أم ميوعة مرفوضة

إيمان أوكريش: صحافية متدربة
في خطوة تعكس الامتنان والتقدير، أطلق عدد من التلاميذ المغاربة مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي مبادرة تمثلت في تقديم هدايا رمزية لأساتذتهم، كالشوكولاتة وعلب البسكويت.
وقد حظيت هذه البادرة، التي سرعان ما انتشرت بشكل واسع، بتفاعل كبير بين التلاميذ وأولياء الأمور وحتى الأساتذة أنفسهم، الذين أعربوا عن امتنانهم لهذه الالتفاتة البسيطة في قيمتها المادية، والعظيمة في رمزيتها.
انطلقت المبادرة بشكل عفوي من خلال مجموعات طلابية على منصات مثل “فيسبوك” و”إنستغرام”، حيث دعا تلاميذ إلى تخصيص يوم لتكريم أساتذتهم عبر تقديم هدايا رمزية تعبيراً عن التقدير لدورهم الأساسي في العملية التعليمية.
وقد لاقت الفكرة تجاوباً واسعاً، إذ انخرط فيها العديد من التلاميذ من مختلف المستويات الدراسية، حيث تداول التلاميذ مقاطع فيديو وصوراً توثق لحظات تقديم الهدايا داخل الفصول الدراسية.

وفي سياق متصل، أوضح عبد الهادي أزغيغ، أستاذ اللغة الإنجليزية بالثانوي التأهيلي بأكادير، لـ”إعلام تيفي” أن هذه البادرة أو “الترند” استورد من تونس، إثر محاولة إصلاح العلاقة بين التلميذ والأستاذ، بعد انتحار أستاذ تونسي حرقا نتيجة لتعرضه للتنمر من قبل بعض الأساتذة والتلاميذ، ورفع دعوى قضائية عليه بعد مشاحنته مع أحد تلاميذه.
وتابع أزغيغ أنه لا عيب ولا ميوعة في هذا الترند، بل إنه سلوك إيجابي من التلاميذ، على غرار تقديم الورود للأستاذات في 8 مارس من كل سنة، مشيرا إلى أن مثل هذه السلوكات مشرفة جدا، إذ تعكس حب التلاميذ للأستاذ.
وشجع الأستاذ مثل هذه المبادرات، مقابل انضباط التلاميذ أخلاقيا تعبيرا عن التلميذ الحقيقي، مضيفا أنه لا يمكن أن يقبل مثل هذه المبادرات من قسم فوضوي.
كما أشار إلى أن بعض الأساتذة يستحقون مثل هذه المبادرات، لأنهم يقومون بأكثر من واجباتهم داخل القسم وخارجه، على غرار مساعدة بعض التلاميذ ماديا ومعنويا.

وفي الصدد نفسه، أكد محمد الدحاني، باحث في قضايا التربية والتعليم، لـ”إعلام تيفي”، أنه لا يوجد إنسان عاقل قد يعارض مبدئيا مبادرة تهدف إلى الاحتفاء بأطر هيئة التدريس، أو الاعتراف لهم بفضلهم علينا، أو بإعادة الاعتبار لمكانتهم الرمزية، خاصة في الوقت الراهن.
وأشار الدحاني إلى أن السياق العام، اليوم، الذي يتسم بالهجوم الشرس على “صورة الأستاذ”، يدفعنا إلى التنويه والمطالبة جهرا وبملء الفم للقيام بمبادرات تعيد القيمة الاعتبارية للأستاذ، لكن كل ما نخشاه هو أن تتحول هذه المبادرات أو بعضها إلى أداة جديدة للنيل من قيمته والسخرية منه.
كما نبه من تحويل مثل هذه المبادرات إلى “استراتيجية الإلهاء”، بغية التغطية على بعض المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وغيرها، التي يشهدها المغرب والعالم في الزمن الراهن.
وأضاف الباحث في قضايا التربية والتعليم، أن هذه المبادرة تحولت من مبادرة إبداعية إلى تقليد محمود، لا سيما أنه تم تكرارها كما هي شكلا ومضمونا، علما أن الفكرة في ذاتها كانت ما تزال بحاجة إلى تطويرها على الأقل من حيث الشكل، لكنه رجحها بأنها وصلت إلى مرحلة الميوعة المرفوضة.
كما لفت إلى أن تعدد الهدايا قد يكون آلية لضرب وحدة وانسجام تلاميذ القسم، أو ادعاء مجانيا لحبهم لأساتذتهم، هذا إذا لم يكن الاحتفاء نفسه مجرد استراتيجية “لإرشاء” للأساتذة من طرف التلاميذ، حتى يمنحوهم نقطا إضافية في الاختبارات الكتابية.
وختم الدحاني حديثه بتشديده على دعم جميع المبادرات التي تعيد القيمة الاعتبارية للأستاذ، وإن كانت رمزية، مؤكدا ضرورة تغذية الذوق الفني والجمالي للتلاميذ، وحثهم على تعديل بعض سلوكاتهم التي ينبغي أن تحفظ قيمة الأستاذ ومكانته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى