هذه حصيلة برلمانيّي مكناس: 175 سؤالاً للمعارضة مقابل 22 للأغلبية.. عدّادٌ يفضح العجز

حسين العياشي
في مكناس، لا تحتاج إلى كثير من العناء لتفهم لماذا تبدو المدينة وكأنها داخلة في سبات عميق يصل الى حد الغيبوبة المميتة. يكفي أن تنظر إلى مؤشرات بسيطة لكنها فاضحة: حصيلة أسئلة نوابها طيلة أربع سنوات داخل قبة البرلمان. أرقام جافة! نعم، لكنها تحكي، بلا “رتوش”، قصة تمثيلية سياسية تميل كفّتها حيث لا ينبغي.
على ضفة الأغلبية، حيث تتوافر مفاتيح الحكومة ونفوذها، تبدو الحصيلة هزيلة إلى حد الإحراج. حسن اليمني (حزب الاستقلال) لا يتجاوز رصيده 9 أسئلة شفوية. زكرياء بن وانس (الأصالة والمعاصرة) يضيف 4 أسئلة. سميرة قصيور (التجمع الوطني للأحرار) تسجّل 5 أسئلة كان آخرها في سنة 2022، وصوفيا طاهيري (من الحزب نفسه) 4 أسئلة فقط، آخرها في 2023. مجموع ما طرحته هذه الكتلة، بكل ما تمثّله من قوة سياسية، لا يتعدى 22 سؤالاً. أربعة نواب، متوسط أسئلتهم الفردي 5.5 سؤال خلال الولاية، في مدينة تتضاعف فيها الحاجات والمشاريع المتعثّرة.
على الضفة المقابلة، تتبدّى مفارقة صارخة. في صفوف المعارضة، يملك خاليد طويل (الاتحاد الدستوري) 4 أسئلة، وعبد القادر لبريكي (الحركة الشعبية) 38 سؤالاً، غير أن المشهد كله ينقلب حين يظهر اسم عبد الله بوانو (العدالة والتنمية): 133 سؤالاً وحده. هنا تصبح الأرقام لافتة إلى حد الصدمة: 175 سؤالاً للمعارضة مقابل 22 للأغلبية؛ أي إن المعارضة استحوذت على نحو 89% من مجموع تفاعل نواب مكناس داخل الجلسات العمومية، فيما لم تتجاوز مساهمة الأغلبية 11% تقريباً.
وحده بوانو يمثّل ما يزيد عن ثلثي إجمالي أسئلة نواب المدينة (نحو 67.5%)، متقدماً بفارق شاسع على الجميع مجتمعين.
ما الذي تعنيه هذه الأرقام سياسياً وتنموياً؟ تعنيه ببساطة أن الصوت الأعلى في قاعات البرلمان ليس بالضرورة الصوت القادر على تحويل الأسئلة إلى مشاريع، لأن أدوات التنفيذ بيد الأغلبية أكثر من غيرها. وحين تصمت الأغلبية أو تكتفي بالحد الأدنى من الترافع، فإن مكناس تدفع الثمن مرتين: مرة لأن من يملك مفاتيح القرار لا يضغط بما يكفي، ومرة لأن من يضغط أكثر لا يملك مفاتيح التنفيذ. هكذا تُصنع حالة “اللاحسم” التي تُبقي المدينة في مكانها.
لا يتعلق الأمر بمجرد سباق أرقام. آخر سؤال لسميرة قصيور يعود إلى 2022، وآخر أسئلة صوفيا طاهيري إلى 2023؛ مؤشران لا يحتاجان إلى تعليق طويل لفهم درجة الانخراط. وإذا كان ممثلو المعارضة يكدّسون الأسئلة بوتيرة لافتة، فذلك يسلّط الضوء على فجوة أخرى: غياب الجسر بين قاعة الأسئلة ومشاريع الأوراش، أي بين الترافع والإنجاز. والنتيجة صورة نمطية تتكرّر: ملفات معلّقة، تأجيلات لا تنتهي، ووعود تفقد بريقها كلما مرّت دورة تشريعية.
إن كان للأغلبية أن تقدّم ما يبرّر هذا العجز العددي، فلن يكون مقنعاً ما لم يُترجم إلى حضور فعلي في الأجندة الحكومية: برمجة مشاريع، تتبّع تنفيذ، ومساءلة القطاعات الوزارية المعنية بمكناس في توقيتاتها الدقيقة. أما المعارضة، فحيويتها الرقمية تحتاج إلى مرافعة أذكى تفرض نتائج قابلة للقياس: اتفاقيات ممأسسة، جداول زمنية مُعلنة، ونقاط تتبّع دورية لا تكتفي بـأثر السؤال.
لهذا، حين نسأل لماذا تبدو مكناس “على حالها”، فالإجابة ليست لغزاً: مدينة تقف بين أغلبية قليلة الكلام كثيرة المفاتيح، ومعارضة كثيرة الأسئلة قليلة النفاذ إلى القرار. وفي المسافة بين الطرفين تتوه مصالح الناس. المطلوب ليس تبادل الاتهامات، بل عقد “أداء” واضح: لكل نائب—أغلبية أو معارضة—برنامج سنوي مُعلَن للترافع حول ملفات المدينة، بأهداف محدّدة ومؤشرات قياس زمنية، يُعرض للعموم ويُحاسَب عليه. عندها فقط، ستتحوّل الأسئلة من عدّاد بارد إلى ضغط مؤسّسي يحرّك المشاريع من الورق إلى الواقع، وتستعيد مكناس حقّها في التنمية التي طال انتظارها.





