هل أصبحت الأقسام ساحات حرب بين التلميذ والأستاذ؟ (ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر

اكد مصدر مطلع لموقع “إعلام تيفي ” خبر وفاة أستاذة، سبق وأن تعرضت للضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض من طرف طالب يتابع دراسته بمعهد التكوين المهني بمدينة أرفود اقليم الرشيدية .

واضاف المصدر أن الأستاذة وافتها المنية فجر اليوم الاحد بالمستسفى الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس.

ظاهرة الاعتداءات على الأطر التربوية والإدارية في المؤسسات التعليمية قد بلغت حدودًا غير مقبولة، وأصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا للسلم المدرسي.

في الآونة الأخيرة، تناقلت الأخبار عن أحداث صادمة؛ مدير مؤسسة تعرض لتهشيم جمجمته، وأستاذة كسرت أنفها، وأشخاص غرباء اقتحموا المدارس وألحقوا أضرارًا بمديرين نقلوا على إثرها إلى المستشفى.

والأدهى من ذلك، تعرضت أستاذات لحرق مساكنهن الوظيفية خلال العطلة، بينما تلميذ صفع مدير مدرسة، مما أدى إلى وفاته لاحقًا.

ما جعلنا نتسائل عن أسباب هذه الحوادث وخلفيتها الاجتماعية والنفسية .

الأخصائي النفسي والباحث في علم النفس الاجتماعي ياسين أمناي، اوضح أن السلوكيات العدوانية التي باتت تظهر في صفوف بعض التلاميذ تجاه الأطر التربوية تُمثّل مؤشرًا خطيرًا يستدعي دق ناقوس الخطر، واعتبرها شكلاً من أشكال الانحراف السلوكي الموجّه ضد أحد أعمدة المجتمع.

وأكد ل”إعلام تيفي” أن الاعتداء على رجال ونساء التعليم، وهم الذين يشتغلون على محاربة الجهل في نفوس الأطفال والمراهقين، يُعدّ انعكاسًا لغياب مرجعية أخلاقية وقيمية تؤطر سلوك الأفراد.

ياسين امناي

“الاعتداء على الأساتذة يُعدّ انعكاسًا لغياب مرجعية أخلاقية وقيمية تؤطر سلوك الأفراد.”

 

 

ونبّه أمناي إلى أن هذه الظاهرة تطرح تساؤلات عميقة حول مدى قيام الأسرة بدورها التربوي، مشددًا على أن المدرسة لا يمكنها وحدها أن تُعوّض دور الأسرة في التنشئة، خصوصًا في ظل التحديات والمتغيرات الاجتماعية الراهنة.

وحذّر من أن هذا الانقلاب القيمي، إذا استمر، قد ينتقل من المدرسة إلى داخل الأسرة، فيتحوّل العنف الموجه ضد الأستاذ إلى عنف موجه ضد الوالدين أنفسهم.

وكشف أن جزءًا من تفسير هذا السلوك يعود إلى ما وصفه بـ”شرعنة العنف” لدى بعض التلاميذ، حيث أصبح الاعتداء على الأستاذ يُنظر إليه كسلوك عادي، في ظل غياب وازع القيم وضبط النفس.

وختم الأخصائي تصريحه بالتأكيد على أن مكانة الأستاذ يجب أن تظل محفوظة، باعتباره قدوة وصانعًا لمستقبل الأجيال، ومن غير المقبول أن يُجازى العطاء بالنكران أو بالعنف، في وقت يبذل فيه الأستاذ جهده ووقته من أجل النهوض بالمجتمع من خلال العلم والمعرفة.

في هذا الاتجاه طرحنا سؤال ، هل هذه التصرفات تعتبر ظاهرة أم مجرد حالات معزولة؟

وأكّد محمد سالم بايشي، مفتش تربوي سابق ومدير مؤسسة تعليمية خاصة وفاعل مهتم بقضايا التربية والتكوين، أنه خلال مسيرته المهنية سواء في القطاع العام أو الخاص، لم يشهد حالات اعتداء جسدي من طرف التلاميذ على الأساتذة.

وأوضح ل”إعلام تيفي” أن ما كان يُسجل في بعض الأحيان لا يتجاوز بعض التجاوزات اللفظية المعزولة، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها ظاهرة عامة.

وأكد في هذا السياق أن مثل هذه التصرفات تبقى حالات استثنائية، لا ترقى إلى مستوى الظاهرة المقلقة داخل المنظومة التعليمية.

محمد سالم

“مثل هذه التصرفات تبقى حالات استثنائية، لا ترقى إلى مستوى الظاهرة المقلقة.”

 

 

وقالت أمينة، أستاذة متقاعدة في فاس، إن فترة عملها في قطاع التعليم لم تعرف ظاهرة الاعتداء على الأطر التربوية كما نراها اليوم.

وأضافت ل”إعلام تيفي ” لقد تقاعدت منذ سنوات طويلة، وخلال مساري المهني لم نكن نشهد مثل هذه الاعتداءات على الأساتذة. كان هناك احترام متبادل بين التلميذ والأستاذ، وكانت المدرسة تحظى بهيبة خاصة في نفوس الجميع”.

وأوضحت أن ما يقع اليوم يُثير القلق، ويعكس تغيرًا عميقًا في المنظومة القيمية داخل المجتمع، داعية إلى ضرورة استرجاع مكانة المدرسة والأستاذ في وجدان الناشئة، من خلال التربية على القيم داخل الأسرة وفي المناهج التعليمية.

وقام فريق “إعلام تيفي” باستطلاع رأي في الشارع العام لمعرفة آراء المواطنين حول ظاهرة الاعتداء على الأساتذة من طرف التلاميذ.

وعبّر عدد من المواطنين عن صدمتهم من هذه التصرفات، معتبرين أن الأستاذ كان وما يزال رمزًا للعلم والاحترام، وأن الاعتداء عليه هو اعتداء على المنظومة التعليمية برمّتها. وأشار بعضهم إلى أن هذا النوع من السلوك يعكس أزمة قيم داخل المجتمع، تستوجب تدخلاً عاجلًا من الأسرة والمدرسة والدولة.

في المقابل، أرجع آخرون هذه الاعتداءات إلى التوترات النفسية التي يعيشها التلاميذ، وضعف التواصل داخل المؤسسات التعليمية، بل وانتقد بعضهم طريقة تعامل بعض الأساتذة مع التلاميذ معتبرين أنها قد تساهم أحيانًا في خلق أجواء احتقان.

لكن أغلب الآراء أجمعت على ضرورة إعادة الاعتبار لمكانة الأستاذ داخل المجتمع، وتفعيل قوانين صارمة لحمايته من كل أشكال العنف اللفظي والجسدي.

ما جعلنا نتسائل عن العقوبات التي تفرض عن التلاميذ في مثل هذه الحالات.

الباحث في القانون الاستاذ حمزة العسري أكد أن  موضوع العنف داخل الفضاءات التربوية، وخاصة الموجه نحو الأطر التعليمية من طرف التلاميذ، أصبح يطرح إشكاليات متعددة على مستوى التشريع الجنائي المغربي. هذا الموضوع لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية فحسب، بل بات يستدعي قراءة قانونية دقيقة ومقاربة أكثر تخصصاً، خصوصاً في ظل التحولات المجتمعية والالتزامات الدولية للمملكة المغربية.

وأوضح العسري ل“إعلام تيفي”  أن المشرع المغربي، في مقاربته لموضوع العنف، استند بشكل عام إلى مجموعة القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962. وهي مجموعة تحمل في أصلها مقاربة كلاسيكية، إذ استُلهمت أساساً من التشريع الجنائي الفرنسي، وبالتالي جاءت رؤيتها العامة للعنف متجذرة في فهم تقليدي لهذه الظاهرة، ينظر إليها كأفعال موجهة ضد السلامة الجسدية للأشخاص، دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية السياق أو طبيعة العلاقة بين المعتدي والمعتدى عليه.

ومن خلال هذا الإطار الكلاسيكي، لم يُميز المشرع المغربي بين العنف الممارس في الشارع، والعنف المرتكب داخل مؤسسات التعليم، وهو ما يشكل، حسب العسري، قصوراً تشريعياً بات ملحوظاً في ظل التزايد المقلق لحالات العنف ضد الأساتذة. ورغم أن المشرع تطرق إلى جرائم العنف والإيذاء العمدي بصفة عامة، إلا أنه لم يُخصص فصلاً واضحاً أو تصنيفات دقيقة للعنف المرتكب داخل الوسط التربوي، ولا لظروف التشديد التي يمكن أن تُستنبط من طبيعة هذا الفضاء الخاص.

وأشار الباحث إلى أن التحولات المجتمعية والارتباط المتزايد للمغرب بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومناهضة العنف، فرضت تطوراً في الرؤية الجنائية، حيث أصبحنا اليوم نتحدث عن أشكال مخصوصة من العنف، كالعنف المبني على النوع، أو الموجه ضد فئات هشة مثل ذوي الاحتياجات الخاصة. ومع ذلك، لا تزال القوانين الوطنية تفتقر إلى نصوص صريحة تعكس هذا التطور، خاصة فيما يتعلق بفضاء المؤسسات التعليمية.

ومن جهة أخرى، يرى العسري أن المشرع المغربي اتخذ موقفاً واعياً حينما تفادى تقديم تعريف دقيق للعنف داخل النصوص القانونية. وهو ما يفسره الباحث بكون التعريفات تضفي نوعاً من الجمود على المفاهيم، وتُقيد السلطة التقديرية للقضاء الزجري عند تعامله مع النوازل المتجددة والمعقدة، لا سيما تلك التي تتغير بتغير الزمان والسياقات الاجتماعية.

وأكد على أن معالجة العنف داخل الفضاء التربوي يجب أن تتخذ بعدين متوازيين: بعد تشريعي يُحدث مراجعة دقيقة لمجموعة القانون الجنائي بما يتلاءم مع خصوصيات المؤسسة التعليمية، وبُعد تربوي يركز على تعزيز قيم الاحترام والتسامح داخل المؤسسات. فحماية الأستاذ ليست فقط مسؤولية قانونية، بل هي ضرورة مجتمعية لضمان جودة التعليم واستقرار المدرسة المغربية.

في تصريح مركّز حول مسألة العقوبات القانونية المرتبطة بالعنف ضد الأساتذة، تم التأكيد على أن الإطار التشريعي المغربي يُعاني من فراغ تشريعي واضح فيما يخص هذا النوع من الاعتداءات، خصوصاً عندما تكون الجهة المعتدية تلميذاً داخل المؤسسة التعليمية. فعلى الرغم من تعدد المقتضيات القانونية التي يمكن الرجوع إليها، إلا أن المشرع لم يضع نصوصاً خاصة وصريحة تعالج هذا الفعل داخل السياق التربوي، ما يجعل التعامل القضائي معه يعتمد على مقاربات تأويلية أو على قوانين عامة غير موجهة بالضرورة لهذا الفضاء الحساس.

وأشار إلى أن المادة 401 من مجموعة القانون الجنائي، تنص على عقوبات مرتبطة بالاعتداء الجسدي على الأشخاص، حيث تختلف درجات العقوبة حسب خطورة الإصابة، لكنها لا تُميز بين الاعتداء داخل المدرسة وخارجها، ولا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الضحية إن كان أستاذاً أثناء تأديته لمهامه التربوية.

من جانب آخر، تحدد المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية المبادئ العامة للإجراءات القضائية، بما في ذلك كيفيات تحريك الدعوى العمومية ومتابعة المتهمين، إلا أن هذه المادة، كما أوضح المتدخل، تبقى إطاراً شكلياً لا يتطرق إلى الحالات الخاصة التي تهم المؤسسات التعليمية ومرتكبي العنف من القاصرين.

وفي المجال التربوي، فإن قانون التعليم، وخاصة المادة 32 منه، يضع مجموعة من واجبات التلميذ، على رأسها احترام الأساتذة والامتثال للضوابط التربوية، لكن هذا التنصيص يبقى في خانة التنظيم الداخلي، دون أن يكون مدعوماً بعقوبات زجرية منصوص عليها في نص جنائي خاص، وهو ما يُضعف من فاعليته في مواجهة حالات العنف.

وأكد  إلى أن بعض الاجتهادات قد تعود إلى مدونة الأسرة، خصوصاً المادة 54، التي تُحمّل الآباء مسؤولية تربية الأبناء وتوجيه سلوكهم، وهو ما قد يُستأنس به قانونياً في تحميل المسؤولية للولي في حال ارتكب التلميذ القاصر فعلاً عنيفاً داخل المؤسسة. إلا أن هذا الاستئناس يبقى محصوراً في إطار المسؤولية المدنية أو التربوية، دون أن يشكل أساساً لتجريم واضح ومباشر.

حمزة العسري

“غياب نصوص واضحة ومباشرة يجعل من الصعب بناء اجتهاد قضائي مستقر وموحد في هذا الباب.”

وفي هذا السياق، يرى بعض الفاعلين القانونيين أن القضاء المغربي، في عدد من القضايا، حاول أن يُفعّل مبدأ الاجتهاد القضائي عبر توسيع دائرة التكييف، غير أن غياب نصوص واضحة ومباشرة يجعل من الصعب بناء اجتهاد قضائي مستقر وموحد في هذا الباب

في المغرب يُعتبر ضرب التلميذ للأستاذ من الأمور التي يعاقب عليها القانون بشكل غير واضح.

من الناحية التأديبية، يمكن أن يتعرض التلميذ إلى عقوبات في إطار النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية. تشمل هذه العقوبات الطرد المؤقت أو الدائم من المؤسسة أو الإحالة على مجالس تأديبية للنظر في السلوك الذي بدر منه. يعمد المسؤولون في المؤسسات التعليمية إلى اتخاذ هذه الإجراءات لضمان الحفاظ على النظام والانضباط داخل المدرسة.

في هذا السياق في ديسمبر 2017، اعتدى تلميذ على أستاذته في ثانوية الحسين بن علي بالحي المحمدي. قضت المحكمة الابتدائية عين السبع بحبس التلميذ لمدة أربعة أشهر نافذة، وأداء غرامة مالية قدرها 30,000 درهم.

وقعت في نفس السنة في أواخر شهر نونبر، بثانوية سيدي داود التأهيلية بمدينة ورزازات، اعتدى تلميذ داخل الفصل على أستاذ يدرّسه مادة الفلسفة.

الاعتداء كان عنيفًا، وقد صُور من طرف تلاميذ آخرين، حيث يظهر الأستاذ وهو يتعرض للضرب داخل القسم بينما لم يتدخل أحد.

وأمرت النيابة العامة بوضعه رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بورزازات، وتمت متابعته بتهم إهانة موظف عمومي أثناء مزاولته لمهامه، والاعتداء عليه بالعنف.

في 7 نوفمبر 2017، اعتدى تلميذ يبلغ من العمر 18 سنة على أستاذه بثانوية ابن بطوطة التأهيلية بحي النهضة في الرباط، مما تسبب له في جرح غائر على مستوى الجبين. قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر في حق التلميذ المعتدي.

من خلال هذه الحالات نطرح سؤال، هل يمكن ان نرى مثل هذه العقوبات في الحالات الأخيرة التي شهدها المجتمع المغربي؟

وتوجه فريق الأصالة والمعاصرة الاسبوع الماضي بسؤال شفوي إلى وزير التربية الوطنية حول تصاعد ظاهرة الاعتداء على الأطر التربوية والإدارية داخل المؤسسات التعليمية، معبّرًا عن قلقه من تأثيرها السلبي على السلم المدرسي وجودة التعليم.

وأكد الفريق أن هذه الاعتداءات، التي تشمل عنفًا لفظيًا وجسديًا، تتنافى مع القيم التربوية وتشكل خطرًا على البيئة التعليمية. وطالب باتخاذ تدابير عاجلة لحماية الأطر، من خلال تفعيل القوانين الزجرية وتعزيز الأمن المدرسي، كما تساءل عن الاستراتيجيات المزمع اعتمادها لترسيخ ثقافة الاحترام والانضباط وسط التلاميذ وأسرهم.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى