هل أصبحت المأكولات المغربية “إسبانية” بين عشية وضحاها؟

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في سابقة غريبة ومثيرة للاستغراب، خرجت صحيفة لا راثون الإسبانية بادعاء جديد يزعم أن بعضًا من أشهر الأطباق المغربية، التي تشكل جزءًا أصيلًا من التراث الغذائي في المملكة، هي في الأصل “إسبانية”.

هذه المزاعم لم تأتِ في سياق دراسات تاريخية موثوقة أو أبحاث علمية، بل في مقال كتب بمناسبة دخول شهر رمضان، وكأن الصحيفة قررت فجأة أن تعيد كتابة التاريخ وفق رؤيتها الخاصة.

المثير في الأمر أن هذه الادعاءات تجاهلت حقيقة واضحة، أن هذه الأطباق نشأت في الأندلس قبل سقوطها، وحافظ عليها الأندلسيون الذين أجبروا على الهجرة إلى المغرب، حيث طوروها وأصبحت جزءًا من المطبخ المغربي الذي يعرفه العالم اليوم.

زعمت الصحيفة أن “الحريرة”، الحساء المغربي التقليدي الذي يعد من أعمدة مائدة الإفطار الرمضاني، هو في الأصل إسباني. ورغم أن هذه الأكلة وُجدت في الأندلس، فإن المغاربة الأندلسيين هم من حملوا هذه الوصفة معهم بعد طردهم من وطنهم، وحافظوا عليها وطوروها داخل المغرب، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من هويته الغذائية.

لم يتوقف الأمر عند الحريرة، بل شمل أيضًا البسطيلة، الأكلة الفريدة التي تمزج بين النكهات الحلوة والمالحة، هذه الأكلة ذات الجذور الأندلسية لم تستمر في إسبانيا بعد سقوط الأندلس، بل انتقلت إلى المغرب حيث اعتنى بها الأندلسيون المهاجرون وأصبحت جزءًا من المطبخ المغربي الراقي، دون أن يكون لإسبانيا الحديثة أي دور في استمرارها أو انتشارها.

الأمر ذاته ينطبق على الفطيرة المغربية الشهيرة “المسمن”، التي تربطها الصحيفة بفطائر مشابهة كانت تُعد في الأندلس. لكن مرة أخرى، نجد أن استمرار هذه الأكلة وتطورها جاء في المغرب وليس في إسبانيا، حيث لم يعد لهذه الفطائر وجود في المطبخ الإسباني الحديث.

ما تجاهله المقال الإسباني هو حقيقة تاريخية دامغة، فبعد سقوط الأندلس، تعرض أهلها للتهجير القسري، وانتقل عدد كبير منهم إلى المغرب، حيث حملوا معهم ثقافتهم وتقاليدهم الغذائية، ووجدوا بيئة حاضنة سمحت لهذه الأكلات بالاستمرار والتطور. أما في إسبانيا، فقد تم طمس الهوية الأندلسية بشكل ممنهج، ولم يكن هناك أي استمرار للأكلات الأندلسية كما حدث في المغرب.

هذه المحاولة لنسب الأكلات المغربية إلى إسبانيا تأتي في وقت يشهد المغرب حملات متكررة من “الغزو الثقافي” من الجار الجزائري، الذي يحاول الاستيلاء على العديد من عناصر التراث المغربي، من الأزياء التقليدية إلى المأكولات والعادات الاجتماعية. والآن، يبدو أن إسبانيا قررت أن تدخل على الخط، متجاهلة أن التاريخ لا يُعاد كتابته بمجرد مقال صحفي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى