“الزعبول “بالمغرب..الحشرة القرمزية تهدد عيش البسطاء وتضخ الملايير في حسابات الأغنياء (ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تحولا جذريا في علاقة المواطن البسيط بنبتة الصبار، التي كانت تعرف شعبيا بـ”الدُّرْكة” أو “الزعبولة”، رمزا للفلاحة المعتمدة على الطبيعة، دون تدخل الدولة أو المختبرات، هذه الفاكهة، التي كانت تزرع من غير حرث، وتحصد بلا جهد، وكانت تمثل مصدرا للغذاء والظل وحتى أدوات للتقسيم بين الأراضي، صارت اليوم محاصرة بين آفة زاحفة تعرف بالحشرة القرمزية، وسياسات فلاحية وصفها كثيرون بالمرتبكة أو المشبوهة.

بداية التحول تعود إلى سنة 2014، حين أطلق المغرب المرحلة الجديدة من المخطط الأخضر، الذي شمل تقديم دعم خاص للفلاحين من أجل زراعة أصناف معينة من الصبار، تم جلبها من الخارج، خصوصا من المكسيك، ووصفت الأصناف الجديدة بأنها ذات إنتاجية أعلى وقادرة على مقاومة الجفاف، غير أن ما لم يحتسب في المعادلة هو هشاشتها أمام خطر الحشرة القرمزية، وهي حشرة قاتلة تستهدف نبات الصبار، وتلتهمه من الداخل إلى أن تتركه هشيمًا تذروه الرياح.

صورة من الويب

الغريب أن هذه الحشرة، التي تسجل في الأصل في مناطق من آسيا وأمريكا اللاتينية، لم تمر بأي من الدول التي توجد بين هذه المناطق والمغرب، مثل الجزائر وتونس ومصر أو حتى موريتانيا، دخلت مباشرة إلى المغرب، وتحديدا إلى منطقة سيدي بنور، حيث كانت أولى المشاريع المدعومة لزراعة الصبار ضمن المخطط الأخضر، هذه المفارقة دفعت كثيرين إلى التساؤل: هل جرى إدخال الحشرة عن قصد؟ أم أن الإهمال والتراخي في فحص الأصناف المستوردة فتح الأبواب أمام آفة لم تكن محسوبة؟

التين الشوكي لم يعد "فاكهة الفقراء" في المغرب | اندبندنت عربية
صورة من الويب

مع اجتياح الحشرة لمزارع الصبار، تحول ما كان فاكهة في متناول الجميع إلى منتج نادر وثمين، الفلاحون الذين كانوا يبيعون الصبار بالقنطار بأثمنة بخسة، صاروا يشترونه بالحبة بأسعار تتجاوز 6 دراهم، بل أصبح إنتاجه يتطلب مبيدات وأيد عاملة متخصصة ومتابعة تقنية مستمرة، الزريعة المغربية الأصلية تراجعت، وحلت مكانها زريعة مستوردة تحتاج إلى التجديد السنوي، الأمر الذي جعل الفلاح في تبعية مستمرة للشركات الموردة والدعم الحكومي.

في خضم هذه التحولات، طرحت أسئلة لم تجد بعد أجوبة مقنعة، من يتحمل مسؤولية القضاء على الصنف الأصلي من الصبار؟ ولماذا اختيرت أنواع مستوردة بدل تحسين الأصناف المحلية؟ ومن استفاد من دعم زراعة هذا الصنف الجديد؟ وهل كانت هناك مراقبة صارمة لمنع تسلل الأمراض والآفات، وعلى رأسها الحشرة القرمزية؟

من الآفة إلى الثروة.. كيف يمكن الاستفادة من الحشرة القرمزية؟

في عالم يتزايد فيه الطلب على البدائل الطبيعية والصديقة للبيئة، تبرز الحشرة القرمزية كأحد الموارد غير التقليدية ذات القيمة الاقتصادية العالية.

فرغم شهرتها كآفة تهاجم محاصيل التين الشوكي، خاصة في مناطق عديدة من المغرب، فإن هذه الحشرة تحمل في طياتها إمكانات واعدة يمكن استغلالها في مجالات متعددة، أبرزها إنتاج صبغة القرمزي أو حمض الكارمينيك.

تستخرج صبغة القرمزي من أجسام إناث الحشرة القرمزية بعد تجفيفها ومعالجتها، وتعد هذه الصبغة من بين أغلى الأصباغ الطبيعية في العالم نظراً لنقاوتها وثبات لونها.

صورة من الويب

وقد استخدمت منذ قرون في صباغة الأقمشة الرفيعة، وتطورت استخداماتها لاحقا لتشمل الصناعات الغذائية والتجميلية والدوائية، وحتى الفنية. تستخدم صبغة القرمزي حاليا في تلوين العديد من المنتجات مثل الزبادي والعصائر والمشروبات الغازية، كما تدخل في تركيب أحمر الشفاه وظلال العيون، وتستعمل أيضا لتلوين أقراص الأدوية وبعض المستحضرات الصيدلانية.

رغم القيمة الاقتصادية الكبيرة للحشرة القرمزية، إلا أن انتشارها المفرط في الحقول يطرح تحديات جدية أمام المزارعين، خاصة في المناطق التي يعتمد فيها الإنتاج الفلاحي على نبتة التين الشوكي. ومع ذلك، فإن جمع هذه الحشرة ومعالجتها يمكن أن يمثل بديلاً اقتصادياً للفلاحين المتضررين، بل ويمكن أن يتحول إلى نشاط مدر للدخل إذا ما تم تأطيره ضمن منظومة إنتاجية واضحة تشمل التكوين والتجهيز والتسويق.

فالحشرة القرمزية نفسها تستخدم في عدد من الصناعات، وتستخرج منها ملونات طبيعية تدخل في صناعة الحلويات، ومواد التجميل، والعطور، وتباع بأثمنة مرتفعة في الأسواق الدولية. في بيرو مثلً، استطاعت الدولة أن تستغل هذه الحشرة في تصدير 70 طنا إلى فرنسا وغيرها، محققة مداخيل هامة. أما في المغرب، فقد تُركت الحشرة تفتك بالصبار دون استثمار حقيقي في إمكاناتها التجارية.

صورة من الويب

وتعتمد العديد من شركات الصناعات الغذائية والتجميلية على صبغة طبيعية تعرف باسم “كارمين” لاكتساب اللون الأحمر، وهي مادة تُستخرج من حشرة تُعرف باسم “الدودة القرمزية”. ويتم الحصول على هذه الصبغة من خلال تجفيف الحشرات وسحقها، واستخلاص حمض الكارمينيك الذي يمثل نحو ربع وزنها.

 

وتستخدم صبغة الكارمين بشكل واسع في تلوين مجموعة كبيرة من المنتجات الغذائية مثل الزبادي، والآيس كريم، وفطائر الفاكهة، والمشروبات الغازية، وأنواع متعددة من الحلويات والمخبوزات. كما تدخل في تركيبة مستحضرات التجميل، وخاصة أحمر الشفاه، بفضل قدرتها على منح ألوان ثابتة وقوية.

الحشرة القرمزية تكتسح امنتانوت في غياب المسؤولين | بالواضح جريدة إلكترونية مغربية
صورة من الويب

ويرى مؤيدو هذا النوع من الأصباغ أنها أكثر أمانا وصحة من الألوان الصناعية المستخرجة من الفحم أو مشتقات البترول، ومن بين هؤلاء الكاتبة إيمي باتلر جرينفيلد، مؤلفة كتاب “أحمر مثالي”، التي تعتبر الكارمين واحدة من أكثر الصبغات الطبيعية موثوقية، إذ يمكن استخدامها لإنتاج طيف واسع من درجات الألوان الحمراء والوردية والبرتقالية والبنفسجية.

يتم جمع الدودة القرمزية غالبا في أمريكا اللاتينية، حيث يقوم المزارعون بهزها من على أوراق نبات الصبار الشوكي، ويتم اختيار الإناث غير المجنحة التي تحتوي على نسبة أكبر من حمض الكارمينيك، بينما لا تستخدم الذكور الطائرة في عملية الاستخلاص.

ورغم وجود بدائل طبيعية أخرى لتلوين الأغذية مثل مستخلصات الكرز أو جذور الشمندر، إلا أن الكارمين يتميز بقدرته على الثبات لفترة أطول وسهولة استخدامه في خطوط الإنتاج، مما يجعله الخيار المفضل للعديد من المصنعين حول العالم.

وتعد الدودة القرمزية (Cochineal) من الحشرات الحرشفية الصغيرة التابعة لعائلة Dactylopius، وموطنها الأصلي يمتد عبر مناطق متعددة من قارة أمريكا الشمالية، بما في ذلك جنوب الولايات المتحدة، المكسيك، وصحراء أريزونا. ورغم صغر حجمها الذي لا يتعدى نصف مليمتر، فإن لهذه الحشرة دورا كبيرا في الصناعة والاقتصاد، إلى جانب تأثيرها المدمر على نبتة الصبار.

وتعيش الدودة القرمزية بشكل حصري على نبات الصبار، حيث تتغذى على العصارة الداخلية باستخدام فمها الشبيه بالمنقار. وفي حين تمتلك الذكور أجنحة وتعيش فترة قصيرة لا تتعدى فترة التزاوج، تنتشر إناثها بشكل واسع وتعيش لفترة أطول، وهو ما يجعلها العنصر الرئيسي في إنتاج الصبغة.

ماهي الحشرة القرمزية ؟ - إيكو تونس
صورة من الويب

ما إن تفقس البيوض، حتى تبدأ اليرقات بتغطية أجسامها بمادة شمعية بيضاء لحمايتها من الحرارة والعوامل الخارجية، ما يخفي لونها الحقيقي القرمزي خلف هذه الطبقة الواقية، وتكمن القيمة الاقتصادية الكبرى في هذه الحشرة في استخراج صبغة الكارمين القرمزية منها، وهي مادة تستخدم في صناعات متعددة.

يتم جمع إناث هذه الحشرة وتجفيفها إما تحت الشمس، أو في الأفران، أو بغمرها في الماء الساخن، وتختلف درجات اللون المستخرج بحسب مدة وطريقة التجفيف، حيث يُشترط تقليص وزن الحشرة إلى حوالي 30% من وزنها الأصلي للحصول على اللون المثالي، وتشكل مادة حمض الكارمينك بين 19 و22% من جسم الحشرة بعد التجفيف، وتُعد المادة الأساسية في إنتاج الصبغة.

ويقدر أن إنتاج كيلوغرام واحد من صبغة الكارمين يتطلب نحو 100 ألف دودة قرمزية، وتباع هذه الكمية في السوق العالمية بحوالي 20 دولارا، بعد جمع الحمض، يتم مزجه مع أملاح الألمنيوم أو الكالسيوم لإنتاج ملح الكارمين، وهو الشكل النهائي للصبغة القرمزية.

وتعد البيرو حاليا أكبر مصدر عالمي لصبغة الكارمين، التي لا يقتصر استخدامها على مستحضرات التجميل مثل أحمر الشفاه، بل تدخل أيضا في صناعة الأنسجة، والمواد الطبية، والمنتجات الغذائية، لا سيما العصائر، لإضفاء اللون الأحمر الطبيعي عليها.

وهكذا، تبرز الدودة القرمزية مثالا حيا على كيفية تحول كائن مجهري من آفة زراعية مدمرة إلى مورد اقتصادي هام، يشكل صلة وصل بين الزراعة والصناعة، والتقليدي والحديث، والخطر والفرصة.

اليوم، تغير وجه الصبار المغربي، ولم يعد كما كان، الصنف المتداول في الأسواق ليس هو الذي نشأ في الأراضي الجافة بالمغرب منذ قرون، الصبار المقاوم للحشرة اليوم ليس منتجا طبيعيا كما كان، بل هو نتيجة تدخلات وهندسات زراعية، وما كان من قبل رمزا للأرض والعفوية والاستقلال الغذائي، أصبح سلعة تتطلب إدارة، وعقودا، ودعما، ورقابة، والفقير الذي كان يتفيأ ظل الصبار، صار مضطرا إلى شرائه بالغالي، أو التفرج عليه من بعيد وهو يدخل مرحلة الاحتكار.

القصة لم تنته، والحشرة القرمزية ليست سوى عنوان لمرحلة أوسع من التحولات الفلاحية التي يشهدها المغرب، والتي تضع أكثر من علامة استفهام حول مستقبل السيادة الزراعية، وحقوق الفلاح الصغير، ودور الدولة في حماية الأصناف المحلية من الانقراض.

عصير «صبغة الخنافس»... ضجة واسعة حول مادة متداولة
صورة من الويب

الحشرة القرمزية..أعراض مدمرة تهدد نباتات الصبار في صمت

أكد ربيع ايت ثقني فلاحي من منطقة هوارة نواحي أكادير، لـ”إعلام تيفي”، أن ظهور مؤشرات مقلقة على إصابة نباتات الصبار في المنطقة بآفة الحشرة القرمزية، التي تعود للواجهة من جديد، مهددة ما تبقى من هذا الموروث الزراعي المحلي.

ربيع ايت ثقني فلاحي من منطقة هوارة

وكشف المتحدث أن الأعراض الأولية التي لوحظت تشمل ظهور بقع بيضاء قطنية على سطح النبات، وهي من العلامات المبكرة للإصابة، قبل أن يتغير لون الصبار إلى الأصفر أو البني، ويبدأ في الذبول والتراجع التدريجي في النمو.

وأوضح أن الحشرة تستقر عادة على السيقان والأوراق، حيث يمكن معاينة وجود حشرات صغيرة وثابتة، تتغذى على النسغ النباتي، ما يؤدي إلى تشوه النبات وتقزمه بشكل واضح.

ربيع ايت

“بقع بيضاء قطنية وذبول تدريجي أبرز مظاهر إصابة الصبار بالحشرة القرمزية.”

وأشار إلى أن خطورة هذه الحشرة لا تقتصر فقط على إتلاف النبتة كليا، بل تمتد إلى التأثير على جودة الفاكهة نفسها، حيث تصبح فاكهة الصبار المصابة غير صالحة للاستهلاك، إذ يتغير لونها وطعمها، وأحيانا قد تشكل خطرا على صحة الإنسان في حال تناولها.

La guerre est déclarée'' contre les Cochenilles du cactus | Mosaique FM
صورة من الويب

وأكد الخبير أن الحشرة القرمزية لا تصيب سوى نبات الصبار، وتعيش بشكل حصري عليه، دون أن تلحق أي ضرر بأشجار الزيتون أو باقي الأنواع النباتية الأخرى، مما يعقد مسألة مكافحتها في الحقول المختلطة، ويجعل من الضروري عزل نبتة الصبار المصابة أو المحيطة بها.

وأبرز الفاعل الفلاحي أن تكرار ظهور هذه الحشرة يطرح مجددا إشكالية حماية الأصناف المحلية من نبات الصبار، خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة لمحاصرة انتشارها، مشددا على ضرورة تدخل السلطات الفلاحية بشكل عاجل، عبر توفير مبيدات بيولوجية فعالة، وتأطير الفلاحين لتجنب المزيد من الخسائر، خاصة مع اقتراب موسم جني الصبار، الذي يشكل موردًا اقتصاديًا رئيسيًا للعديد من الأسر في المناطق القروية.

 الحشرة القرمزية بين فشل المواجهة وغياب الحلول العلمية

وإذا كانت الأعراض المقلقة التي تصيب نبات الصبار تشكل الإنذار الأول لوجود الحشرة القرمزية، فإن تجربة مناطق مثل تزنيت وآيت باعمران تكشف حجم الكارثة التي خلفتها هذه الآفة، سواء على مستوى المنظومة الفلاحية أو الحياة اليومية للسكان.

هذا ماجعلنا نتجه الى عبد الله أحجام، الفاعل الجمعوي وعضو الائتلاف الوطني للمناخ والتنمية المستدامة، من أجل معرفة وضعية النبة في منطقة تزنيت.

ما دور المعارضة في المجالس الترابية من خلال القانون 113/14؟ - azulpress.ma
عبد الله أحجام، الفاعل الجمعوي وعضو الائتلاف الوطني للمناخ والتنمية المستدامة

وأكد  المتحدث ل”إعلام تيفي” أن الحشرة القرمزية اجتاحت بشكل واسع مناطق من إقليم تزنيت منذ سنة 2020، حيث سجلت أضرار بالغة في نبات الصبار، خصوصا في المناطق الساحلية مثل جماعة الساحل، مير اللفت، كلميم، وآيت باعمران، مع تدمير شبه كامل لصنفي “عيسى” و”موسى” المعروفين محليا.

وأوضح أن المشهد بات مأساويا، حيث لم يعد يرى على سفوح الجبال سوى بقايا نباتات ميتة، بعدما قضت الحشرة على الصبار بشكل شبه نهائي.

وأشار أحجام إلى أن الصبار في المناطق القروية لم يكن فقط فاكهة موسمية، بل كان مكونا أساسيا في نمط العيش القروي، حيث يستعمل كحزام طبيعي لتسييج المنازل والحقول، ويعتبر خزانا احتياطيا يعتمد عليه في فترات الشدة، خاصة في تخزين العلف والتبن لإطعام الماشية خلال فصل الشتاء، كما أن فاكهته، التي لم تكن تحظى باهتمام كبير في السابق، بدأت تكتسب أهمية متزايدة بفضل قيمتها الغذائية واستخدامها في الصناعات التجميلية، ما أدى إلى ارتفاع الطلب عليها وسعرت بأثمان مرتفعة.

غير أن هذا الاهتمام التجاري بالصبار تزامن مع اختلالات كبيرة في المنظومة البيئية، ومع اجتياح الحشرة القرمزية، ظهرت الحاجة إلى تدخل علمي عاجل.

عبد الله أحجام

“الحشرة القرمزية كشفت هشاشة التدخل العلمي وغياب حلول فعالة لإنقاذ الصبار”

وأبرز أحجام أن المقاربات المعتمدة في توعية الفلاحين حول كيفية التعامل مع الحشرة لم تكن فعالة، إذ رغم الجهود التي بذلت من طرف الأطر الفلاحية، عبر حملات تحسيسية وتوصيات مثل رش الصابون البلدي مع الماء، إلا أن النتائج على أرض الواقع كانت محدودة، مما يطرح تساؤلات حول فعالية وسائل التدخل، ومصداقية البحث العلمي الزراعي في تفاعله مع هذه الأزمة.

واعتبر أن هناك فجوة كبيرة بين البحث العلمي ومحيطه الاجتماعي، حيث لم يتمكن من إنتاج أجوبة واضحة ومقنعة للساكنة المتضررة.

ودعا إلى ضرورة تطوير آليات معالجة بيئية بديلة، عبر تجريب علاجات طبيعية، وإمكانية الاستفادة من كائنات حيّة تتغذى على الحشرة القرمزية كمخرج بيولوجي، مطالبًا بأن تكون هذه المعارف متاحة للجميع، من خلال نشرها على نطاق واسع، وتوسيع الحملات التحسيسية لتشمل أكبر عدد من الفلاحين والمواطنين.

وأكد أن بعض الأصناف التي زرعت مؤخرا كصبار “مقاوم” ليست فعالة بنسبة 100%، حيث عادت الحشرة للظهور في عدد من الحقول رغم استعمال هذه الأصناف، ما يفرض ضرورة تتبع هذه المشاريع علميًا، ورصد حالات الإصابة من جديد، وتقييم فعالية التشجير في المحيطات التي أُطلقت فيها مشاريع الغرس.

وشدد عبد الله أحجام على أن المقاربة الحالية التي تعتمدها وزارة الفلاحة غير كافية، وتفتقر إلى الرصد والتتبع الدقيق، داعيا إلى إشراك المجتمع المدني في عمليات التأطير، وتكوين الفلاحين، ومواكبة المشاريع من خلال شراكة بين الخبرة الفلاحية والمبادرات المحلية.

وطالب بتشجيع التعاونيات والخواص على الانخراط في إنتاج الأصناف الجديدة من الصبار، مع ضمان عدم احتكار هذا المجال لفئة واحدة فقط، حفاظا على توازن المنظومة الفلاحية وضمانًا للعدالة المجالية في الاستفادة.

محاربة الحشرة القرمزية بين الحلول البيولوجية والتحديات الميدانية

اتجهنا بعد ذلك إلى رشيد بوهرود باحث في المعهد الوطني للبحث الزراعي لمعرفة المقاربة العلمية التي تعتمدها الدولة في محاربة الحشرة القرمزية، والجهود المبذولة لتطوير أصناف مقاومة وضمان استمرارية زراعة الصبار في ظل التحديات البيئية والفلاحية الراهنة.

أعضاء مجلس الإدارة – دار سي حماد
رشيد بوهرود باحث في المعهد الوطني للبحث الزراعي

وكشف الباحث لـ”إعلام تيفي”، أن محاربة الحشرة القرمزية التي قضت على مساحات شاسعة من الصبار في عدد من المناطق المغربية، تتم اليوم وفق مقاربة مزدوجة تجمع بين المراقبة الميدانية الدقيقة والمعالجة البيولوجية والطبيعية، بهدف احتواء الآفة واستعادة مكانة الصبار داخل المنظومة الفلاحية الوطنية.

وأوضح المتحدث أن المعهد، بشراكة مع مؤسسة “دار سي أحمد” وشركة أخرى متخصصة، قام باستيراد حشرة الدعسوقة من المكسيك، باعتبارها عدوا طبيعيا للحشرة القرمزية، وهي غير متوفرة في المغرب، وتمت في البداية تجارب مخبرية على نطاق محدود، أظهرت نتائج مشجعة، ما مهد الطريق لتوسيع التجربة لاحقا.

رشيد بوهرود

“نواجه الحشرة القرمزية بمقاربة بيولوجية مزدوجة وحشرة الدعسوقة أبرز أسلحتنا الطبيعية.”

وبالنسبة للمبيدات المستعملة، أشار الباحث إلى أن المقاربة المغربية تعتمد على المستخلصات النباتية الطبيعية، باستثناء الصابون البلدي المغربي، الذي يظل الوسيلة الأكثر شيوعًا لدى الفلاحين محدودي الإمكانيات، إلى جانب صابون خاص مرخص من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية.

وفي ما يخص الأصناف المقاومة للحشرة القرمزية، أوضح الباحث أن المغرب سبق أن عاش تجربة جفاف شديدة في ثمانينيات القرن الماضي، ما دفع باحثي المعهد الوطني للبحث الزراعي حينها إلى جمع أصناف الصبار من مختلف مناطق المملكة، وتجميعها في مختبر أكادير، ليصل العدد حاليًا إلى 440 صنفًا، منها 50 صنفًا أجنبيًا تم الحصول عليها عبر اتفاقيات مع مؤسسات دولية.

ومن بين هذه الأصناف، جرى انتقاء 249 صنفا، وتم تجريبها في منطقة الزمامرة قبل ظهور الحشرة القرمزية بسوس، لتُظهر التجارب أن 8 أنواع فقط أثبتت قدرتها على مقاومة هذه الحشرة، وتم تسليم نتائج البحث إلى وزارة الفلاحة، التي شرعت لاحقًا في توسيع زراعة هذه الأصناف في مناطق مختلفة من المغرب، في محاولة لتعويض الخسائر السابقة.

اتهامات جزائرية للمغرب بالوقوف وراء انتشار الحشرة القرمزية.. وخبير فلاحي لـ “الصحيفة”: هذا غير منطقي وعلمي والحشرة تعاني منها معظم دول العالم – الصحيفة
صورة من الويب

وأضاف الباحث أن الصبار كان يعتبر في السابق مجرد زراعة ثانوية، لكن اليوم، وبفضل الاعتراف بأهميته الغذائية والاقتصادية، أصبح يحظى باهتمام أكبر، سواء في ما يخص البحث أو التثمين أو الترويج، ومع ذلك، يواصل عدد من الفلاحين، خصوصا في منطقة سوس، زراعة الأصناف التقليدية غير المقاومة، رغم تواجد الحشرة، ويتمكنون من التكيف معها وتحقيق إنتاج جيد، بفضل المراقبة والمتابعة المستمرة.

ورغم ذلك، نجح بعض الفلاحين في توفير الفاكهة خلال هذه الفترة، في حين يتوقع أن يشهد الصيف المقبل وفرة ملحوظة في الإنتاج، ما قد يخفض من الأسعار مقارنة بالسنة الماضية، ومع ذلك، يظل السعر اليوم مضاعفا مقارنة بما كان عليه قبل ظهور الحشرة القرمزية، لأن زراعة الصبار تحولت من عملية طبيعية بسيطة إلى سلسلة فلاحية مركبة تتطلب رعاية، مراقبة، وعناية خاصة، وهو ما ينعكس على التكلفة النهائية للمنتج.

وأكد أن الفلاح الصغير كان سابقا يجني الصبار ويبيعه بسهولة، لكن بعد انتشار الحشرة القرمزية، أصبحت الزراعة مكلفة وتتطلب إمكانيات غير متوفرة للجميع، وفي كثير من الحالات، اضطر الفلاحون الصغار إلى تقليص المساحات المزروعة، حيث من كان يزرع خمسة هكتارات، صار يقتصر على هكتار واحد فقط، تجنبًا لتكاليف لا يستطيع تحملها.

تجارب ميدانية وحلول بيولوجية لمكافحة الحشرة القرمزية

في ظل الانتشار المتسارع للحشرة القرمزية التي تهدد زراعة الصبار بالمغرب، خاصة في مناطق كآيت باعمران وسوس ودكالة، بات من الضروري اعتماد مقاربات متعددة لمواجهتها، تجمع بين الحلول البيولوجية، والوسائل اليدوية، والممارسات الفلاحية المستدامة.

La lutte contre la cochenille de cactus dans la région de Guelmime Oued Noun - Agriculture du Maghreb
صورة من موقع دار سي حماد للتنمية والتعليم والثقافة

وفي هذا السياق، برزت تجارب ميدانية ناجحة، كشف عنها  عيسى الدرهم، فاعل بيئي ورئيس مؤسسة “دار سي حماد”، لأهم الطرق المعتمدة لمكافحة هذه الآفة الزراعية.

 عيسى الدرهم، فاعل بيئي ورئيس مؤسسة “دار سي حماد”
عيسى الدرهم، فاعل بيئي ورئيس مؤسسة “دار سي حماد”

وأكد الدرهم ل”إعلام تيفي”، أن الحشرة القرمزية ظهرت في المغرب أول مرة سنة 2014 بسيدي بنور، وسرعان ما انتشرت لتصل إلى آيت باعمران في 2018.

وأوضح أن دخول الحشرة القرمزية شكل نقطة تحول في تاريخ زراعة الصبار بالمغرب، بعدما كانت هذه النبتة تعد محركا اقتصاديا رئيسيا، خصوصا في آيت باعمران، أكبر منطقة منتجة للصبار في المملكة.

وكشف الدرهم أن جمعية دار سي حماد أطلقت سنة 2021، بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، مشروعًا بيئيًا لمحاربة الحشرة القرمزية بالاعتماد على حلول طبيعية، وعلى رأسها:

  1. الرش بالماء والصابون البلدي: كطريقة بيئية وغير ملوثة، أثبتت نجاعتها في الحد من انتشار الحشرة دون التأثير على النحل أو الإنسان.
  2. التقليم اليدوي (الزبير): وسيلة لتجريد النبتة من القرانيق المتشابكة حيث تختبئ الحشرة، وتسهيل وصول الرش البيولوجي إلى المناطق المصابة.
  3. تحسين التربة بالكومبوست: للمساعدة في تقوية النبتة وتعزيز مقاومتها الطبيعية، خصوصًا في الأراضي الفقيرة.
  • إدماج الحشرات النافعة في المكافحة

وأوضح الدرهم أن الجمعية، بشراكة مع مؤسسات وطنية كـ”لونسا” و”لينرا” والقطاع الخاص، أطلقت تجربة المكافحة البيولوجية عبر إدخال نوعين من الحشرات النافعة:

  1. التريفوركاتا: حشرة تتأقلم مع الظروف المناخية المغربية وتهاجم القرمزية مباشرة أينما وجدت.
  2. الكريبتوليموس: حشرة دقيقة لا تضر بالبيئة، تتغذى على القرمزية وتتكيف مع مختلف المناطق.
قامت السلطات المغربية باستيراد دعسوقة من المكسيك تسمى“لالة مسعودة”( صديقة للبيئة) وتتغذى على الحشرة القرمزية بشكل كبير ما أعطى نتائج إيجابية وصلت في بعض الاحيان الى 100 % دون اتلاف الصبار (الظلف)
صورة من الويب

وأكد المتحدث أن أولى عمليات إطلاق هذه الحشرات تمّت في آيت باعمران بداية سنة 2025، مشيرا إلى النتائج الإيجابية الأولية التي شجعت على توسيع التجربة.

وأشار الدرهم إلى أهمية استهداف ذكور الحشرة القرمزية للحد من التزاوج وانتشار الآفة، مؤكدًا أنه تم استعمال مصائد ضوئية بالطاقة الشمسية ومصائد فيرومونية (بلايكس فرين) لاصطياد أعداد كبيرة من الذكور في مناطق الإصابة، ما يُعد مكسبًا مهمًا في كسر دورة حياة الحشرة.

وأوضح الرئيس أن فعالية هذه المقاربات البيئية لا تكتمل إلا بالتكوين والتأطير المستمر للفلاحين، ومواكبتهم ميدانيا لضمان الالتزام بالمعايير، وتبادل الخبرات على نطاق واسع.

ثمن التغير المناخي [3/7]... الدودة القرمزية تفتك بـ"الصبر" الفلسطيني
صورة من الويب
واعتبر عيسى الدرهم أن المعركة ضد الحشرة القرمزية لا يمكن أن تربح دون مقاربة علمية وميدانية متكاملة، تدمج فيها المعرفة البيئية، والموارد المحلية، والانخراط الفعلي للفلاحين.ودعا إلى مواصلة دعم المشاريع البيولوجية، وتوسيعها وطنيا، باعتبارها السبيل الوحيد لحماية نبتة الصبار واستعادة مكانتها داخل المنظومة الفلاحية والاقتصادية للمغرب.

فلاحون يتحسرون على نكهة الهندية القديمة

وفي قلب الأراضي الفلاحية بدكالة، تقاسم فلاح تحفض عن ذكر إسمه مع “إعلام تيفي”، تجربته مع الأصناف الجديدة من الصبار المقاوم للحشرة القرمزية، حيث عبر عن حنينه العميق للهندية البلدية، التي توارثوها عن الأجداد، والتي كانت تُعرف بطراوتها، قلة بذورها، وجودتها العالية.
ورغم انتشار الصبار المقاوم، إلا أن العديد من الفلاحين ما زالوا يرونه دون المستوى المطلوب، لا من حيث المذاق ولا من حيث المردودية الاقتصادية.
فلاح من دكالة
“الصنف الجديد يفتقر إلى نكهة الصبار البلدي ومردوديته لا تُجدي دون سوق منظم.”
“جربت النوع الجديد، لكنه فيه العظم بزاف وما خدامش للماكلة”، يقول الفلاح بأسى، مشيرا إلى أن الأصناف البلدية كانت تستهلك بسهولة وتلائم الجميع، بينما الأصناف الحالية أقل جودة، بل يعتبرها البعض غير صالحة للأطفال بسبب قساوة بذورها.
ورغم ذلك، سجلت بعض التجارب المحلية مؤشرات إيجابية، حيث تبدأ الأصناف المقاومة في الإثمار بعد عامين ونصف أو ثلاث سنوات من الزرع، وتنتج فاكهة تستخرج منها زيوت وتُستعمل في مجالات مختلفة، لكن الفلاح أكد أن المردودية وحدها لا تكفي إذا لم يتم تنظيم السوق وضمان قنوات لتصريف المنتوج، خاصة بالنسبة للفلاحين الصغار، الذين يشتكون من غياب الدعم الفعلي، ومن صعوبة الوصول إلى مبيدات فعالة لمحاربة الحشرة.
“حتى لو زرع الفلاح، ما يلقاش فين يبيع” يقول ، مشيرا إلى أن هناك هوة كبيرة بين الجهود العلمية المعلنة والواقع على الأرض، حيث ما زال الفلاح الصغير عاجزًا عن مجاراة التكاليف الباهظة لزراعة الصبار ومقاومة آفة الحشرة القرمزية.
الهندية فقدت نكهتها وسعرها انفجر.. حنين جماعي لزمن الصنف البلدي

في استطلاع ميداني أنجزه فريق “إعلام تيفي” في شوارع الرباط، وبالضبط بالقرب من أحد الأسواق الشعبية، عبر عدد من المواطنين عن استيائهم من الارتفاع الصاروخي في ثمن فاكهة “الهندية” أو “الكرموس الهندي”، التي لطالما ارتبطت بذكريات الطفولة والبساطة، وكانت فاكهة الصيف المفضلة لدى فئات واسعة من المغاربة.

ففي الوقت الذي لم يكن ثمن الحبة الواحدة يتجاوز 50 سنتيما كأقصى حد قبل سنوات قليلة، أصبحت تعرض اليوم في الأسواق الشعبية بـ7 دراهم، فيما وصل ثمنها في بعض الأسواق الكبرى إلى 52 درهما للكيلوغرام الواحد.

صورة من مواقع التواصل الإجتماعي

هذا التحول في السعر يعزى بشكل مباشر إلى تراجع الإنتاج بسبب الحشرة القرمزية، التي اجتاحت حقول الصبار في مناطق واسعة من البلاد، مخلفة خسائر فادحة في النبتة، التي كانت تُعتبر زراعة طبيعية لا تحتاج إلى كثير من العناية. واليوم، أصبح الصبار محصولا يتطلب تكاليف باهظة في الزراعة والمراقبة والمعالجة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على ثمن الفاكهة في السوق.

وعبر عدد من المواطنين الذين استجوبهم فريق “إعلام تيفي” عن خيبة أملهم من مذاق فاكهة الهندية المعروضة حاليا في الأسواق، مؤكدين أن الطعم تغير بشكل كبير ولم يعد كما عهدوه في الصنف البلدي.

أحدهم قال: “كنا كنشريو الهندية بنصف درهم وكنلقاوها حلوة، طرية، وما كتجرحش، دابا ولات قاصحة، فيها العظم بزاف، ومذاقها باهت”.

وأضاف آخر: “الهندية ديال زمان كانت كتفوح من بعيد، دابا كتجي بحال شي فاكهة بلا روح”.

وأجمع كثيرون على أن غلاء الثمن لا يتناسب مع الجودة الحالية، معتبرين أن فقدان الصنف البلدي بفعل الحشرة القرمزية أفقد الفاكهة جزءًا من هويتها ونكهتها المميزة.

في هذا السياق سألنا بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، حول أثر إرتفاع سعر هذه الفاكهة على المستهلك خاصة على الطبقة المتوسطة، وأكد أن الفاكهة التي كانت تعرف سابقًا بـ”فاكهة الفقراء” تحولت اليوم إلى سلعة تصدر وتباع بأسعار مرتفعة للغاية، نتيجة لضعف وحالة الترهل التي تعاني منها الحدود الصحية والمراقبة في البلاد.

وأوضح الهراطي أن بداية المشكلة كانت في يونيو 2016، عندما ظهر في المغرب طفيلي مستورد من المكسيك يُعرف بالحشرة القرمزية، التي أصابت نبات الصبار بشكل واسع.

صورة من الويب

وأضاف الخراطي أن الجهات المختصة لم تول الحشرة الاهتمام اللازم في بدايات ظهورها، مما أدى إلى تدمير معظم حقول الصبار في المغرب، مع ما ترتب على ذلك من أضرار بيئية وصحية جسيمة للنبات.

وأشار إلى الأثر الاقتصادي الكبير لهذه الأزمة، خصوصا على الدخل المادي للعديد من العائلات القروية التي تعتمد على زراعة الصبار كمصدر أساسي للعيش.

وأقر رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك بأن هذه الأزمة كان لها تأثير سلبي قاسٍ على المستهلك المغربي، الذي وجد نفسه أمام ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع جودة المنتج، وهو ما يتطلب تدخلًا جادًا وسريعًا من السلطات المختصة لحماية صحة المستهلك ودعم الفلاحين في مواجهة هذه الآفة.

 التعاونيات بين إنعاش زراعة الصبار والتكيف مع تحديات الحشرة القرمزية

في منطقة بجع بإقليم خريبكة، تتحدث النوحي فوزية، أمينة المال لتعاونية الفلاحة “Floora”، عن واقع زراعة الصبار الذي تعرض لانتكاسة كبيرة جراء انتشار الحشرة القرمزية، تؤكد فوزية أن الحشرة قضت على جزء كبير من نبات الصبار في المنطقة، إلا أن ذلك لم يكن سببا للتخلي عن هذه النبتة التي ما زالت تحتفظ بأهميتها الفلاحية والاقتصادية، وإن كان الإنتاج أصبح أقل بكثير مما كان عليه في السابق.

بعد تأثر زراعة الصبار بشكل ملحوظ، توجه الفلاحون في المنطقة إلى تنويع الإنتاج بالاعتماد على محاصيل أخرى مثل الرمان وفواكه أخرى.

فوائد عصير التين الشوكي #فلورا على السحور. يحتوي عصير التين الشوكي #فلورا على نسبة عالية من البوتاسيوم الذي يساعد على انقباض العضلات،و إحداث حالة من التوازن بجسم الإنسان،فالعطش و جفاف الفم في
صورة لمنتج التعاونية

وتوضح فوزية أن تعاونية “Floora” ما زالت تستغل كل أجزاء نبتة الصبار، إذ تُستخرج من الفاكهة عصير أو مربى، فيما تُجفف أوراق الصبار وتُطحن لتحويلها إلى طحين يستخدم في مجالات متعددة.

وتبرز أهمية الحبوب الموجودة في فاكهة الصبار، حيث تستخرج منها زيوت غنية بفيتامين E، المعروفة بخصائصها المضادة للأكسدة والفعالة في مكافحة الشيخوخة والتجاعيد، مما يجعلها مكونًا أساسيًا في صناعة مواد التجميل.

وأكدت النوحي أن أغلب استخدامات الصبار في الوقت الراهن تركز على المجال التجميل أكثر من الاستهلاك الغذائي، ما يعكس التحول في قيمة واستغلال هذه النبتة بعد الأضرار التي لحقت بها.

جهود الدولة لإعادة تأهيل زراعة الصبار ومكافحة الحشرة القرمزية (خريبكة)

في إطار مواجهة الأضرار الكبيرة التي سببتها الحشرة القرمزية لنبتة الصبار، أطلقت الدولة مشروعا جديدا بإقليم خريبكة يهدف إلى إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي، وذلك من خلال زراعة 720 هكتارًا من الصبار المقاوم، موزعة على أربع جماعات ترابية، المعادنة، البراكسة، أولاد عيسى، وأولاد عزوز.

ويندرج هذا المشروع ضمن استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، ويهدف إلى إنعاش إنتاج الصبار وضمان استدامته، وتحسين دخل الفلاحين، وخلق فرص شغل جديدة، مع تعزيز استخدام الأراضي البورية، وتبلغ الكلفة الإجمالية للمشروع أزيد من 7 ملايين درهم، وتمتد مدة إنجازه على مدى 18 شهراً.

ويشمل المشروع مراحل متعددة تبدأ بتهيئة الأرض وزراعة الأصناف المقاومة، تليها مراحل السقي والصيانة لضمان نمو سليم للنبتة.

ويرتكز على مواكبة الفلاحين تقنيا وتحفيزهم على ريادة الأعمال الفلاحية، خاصة في ما يتعلق بإنتاج وتثمين فاكهة الصبار وتسويقها، في أفق ضمان عائد اقتصادي مستدام لهذا القطاع.

وينتظر من هذا البرنامج توفير حوالي 32 ألف يوم عمل، وتحقيق مردودية فلاحية أفضل في مناطق كانت تضررت بشدة جراء انتشار الحشرة القرمزية، ما يؤكد على التزام الدولة بإيجاد حلول مستدامة للآفات الزراعية ودعم الفلاحين في المناطق المتأثرة.

ويبقى الصبار، رغم ما أصابه من أضرار جسيمة بسبب الحشرة القرمزية، رمزا لصمود الفلاح المغربي وتمسكه بأرضه وتراثه الزراعي، وبين تجارب التعاونيات، وتدخلات الدولة، وبحوث المعاهد العلمية، تتقاطع جهود متعددة لاستعادة هذه النبتة موقعها الطبيعي في الحقول والأسواق.

ورغم الصعوبات، فإن الأمل لا يزال قائما في أن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لتطوير منظومة إنتاجية أكثر مرونة واستدامة، تقوم على التثمين، والبحث العلمي، والمواكبة الفعلية للفلاحين، فمستقبل الصبار في المغرب لن يُرسم فقط عبر مقاومة الحشرة، بل أيضًا عبر استثمار ذكي في المعرفة، والتعاون، والإرادة المشتركة بين جميع الفاعلين.

ورغم الخسائر التي تسببت فيها الحشرة القرمزية لنبتة الصبار في مختلف جهات المغرب، يطرح بعض المتابعين والمهتمين بالقطاع الفلاحي إمكانية تحويل هذه الآفة نفسها إلى مورد اقتصادي بديل، على غرار ما هو معمول به في بعض دول أمريكا اللاتينية.

فالحشرة القرمزية تستخدم في استخراج صبغة “الكارمين”، وهي صبغة طبيعية ثمينة توظف في الصناعات الغذائية والتجميلية والنسيجية، هذا الخيار، وإن لم يفعل بعد بالمغرب، يظل حلا بديلا قابلا للدراسة، من شأنه أن يُحوّل الضرر إلى فرصة، ويُوفر مداخيل جديدة للفلاحين والمستثمرين، إذا ما توفرت الإرادة والبحث العلمي والبيئة القانونية الملائمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى