
عادل عوين – عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة التابعة
أصدرت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية مراسلة جديدة تدعو فيها المدراء الجهويين والإقليميين إلى التشديد في تطبيق نظام الحراسة والاستمرارية داخل المؤسسات الصحية، ورغم أن الهدف المعلن هو تحسين الاستجابة لحاجيات المواطنين وضمان حضور الأطر الصحية، إلا أن هذه المقاربة تعيد طرح الأسئلة ذاتها التي تثار مع كل وثيقة من هذا النوع هل يمكن فعلاً إصلاح الاختلالات التنظيمية في المنظومة الصحية عبر مذكرات الزامية فقط ؟ وهل تمتلك البنية الصحية اليوم القدرة العملية على الالتزام بما تطلبه الوزارة ؟
من يتأمل المراسلة يلاحظ أنها تنطلق من فرضية مفادها أن المشكل الأساسي يكمن في “عدم انضباط” الموارد البشرية، وأن الحل هو التشدد الإداري وإعادة التذكير بالمراسيم، وخاصة المرسوم 98-15 المتعلق بنظام الحراسة والاستمرارية. غير أن هذا الطرح يتغافل عن العامل الأكثر تأثيراً في مردودية القطاع غياب شروط العمل الملائمة، واستمرار الخصاص المهول في الموارد البشرية والضغط اليومي الذي يعيشه العاملون داخل المؤسسات الصحية
فالوزارة تطلب من المهنيين الالتزام بجداول الحراسة والالتحاق المستمر بالمصالح الاستعجالية دون أن تطرحفي المقابل سؤالاً جوهرياً، هل تتوفر المستشفيات والمراكز الصحية على عدد كاف من الأطر يمكنها من تطبيق هذا النظام كما هو منصوص عليه قانوناً ؟ ومن ثم توفير الوسائل الضرورية، والراحة القانونية، والتعويضات المواكبة قبل مطالبة المهني بمحمود إضافي ؟
من الصعب الحديث عن التقيد الصارم في قطاع يعاني من نقص كبير في الأطباء والممرضين وتقنيي الصحة.
ويواجه ضغطاً متزايداً من المرضى، إضافة إلى تحديات الأمن والسلامة في أقسام المستعجلات، وغياب التحفيزات الضرورية لضمان استمرار الأطر في أداء مهام الحراسة بمهنية وطمانينة.
المفارقة أن المراسلة تتحدث كثيراً عن الواجبات، لكنها لا تذكر شيئاً عن حقوق العاملين، فلا إشارة إلى تحسين ظروف العمل، ولا إلى التعويضات المرتبطة بالحراسة، ولا إلى الإجراءات الكفيلة بحماية المهنيين من الاعتداءات التي أصبحت مشهداً عادياً داخل الأقسام الحساسة كما أن لغة الوثيقة أقرب إلى “التوجيه الزجري”. بدل تبني خطاب تقديري يثمن جهود العاملين الذين يشتغلون في ظروف صعبة ويضمنون استمرارية الخدمة رغم كل الإكراهات.
ويتحلى أيضاً غياب مقاربة تشاركية فالمراسلة لم تشر إلى دور النقابات، ولا إلى إشراك ممثلي المهنيين في تقييم الوضع أو اقتراح حلول واقعية ويبدو أن الوزارة ما زالت تراهن على القرار الإداري الفوقي ” كالية للإصلاح. رغم أن التجارب السابقة البنت محدوديته في قطاع معقد لقطاع الصحة.
إن تطوير الخدمة الصحية لا يمكن أن يتحقق فقط عبر المراسلات، بل يحتاج إلى إصلاح حقيقي قائم على ثلاث ركائز تحسين ظروف العمل، تأميل البنيات والمصالح، وإشراك الموارد البشرية في اتخاذ القرار، أما الدعوة إلى “التقيد دون توفير الإمكانيات، فليست سوى عامل إضافي يزيد من حدة التوتر والاحتقان داخل المنظومة.
ويبقى الأمل أن تتحول مثل هذه المراسلات من مجرد أوامر تنفيذية إلى خطط عملية شاملة تعالج جذور الأزمة، وتعتبر الموارد البشرية شريكاً أساسياً وليس مجرد طرف ملزم بالشهيد مندون هذا التحول، سيظل نظام الحراسة – مهما تكررت التوجيهات – عيناً إضافياً على قطاع مثقل أصلاً بالتحديات.





