هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات: رؤية موحدة من المعارضة لتطوير النظام الانتخابي

حسين العياشي
كشفت دراسة حديثة عن توجهات أحزاب المعارضة المغربية بشأن إصلاح المنظومة الانتخابية، التي تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في طريقة الإشراف على الانتخابات. إذ تركز مقترحاتها على إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية، بدلاً من الاعتماد على الإشراف الإداري التقليدي الذي تتولى وزارة الداخلية مسؤوليته.
هذه الدعوة، وفقاً للدراسة، لا تعكس بالنسبة لهم مجرد مطلب تقني، بل تسعى إلى تعزيز الثقة في الانتخابات وضمان حياد المؤسسات، بما يتماشى مع التجارب المقارنة في العديد من الديمقراطيات الأوروبية.
الدراسة، التي تحمل عنوان “تحليل نقدي لمقترحات أحزاب المعارضة حول إصلاح المنظومة الانتخابية المغربية”، والتي صدرت في المجلة العربية للنشر العلمي، تؤكد أن هذا المطلب يمثل أحد أوجه الاتفاق بين مختلف مكونات المعارضة. كما أن الانتقال من الإشراف الإداري إلى الإشراف المؤسسي يعتبر تحوّلاً في فلسفة التدبير السياسي، يهدف إلى ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية، وتبني نموذج انتخابي يعكس روح التجارب الديمقراطية الغربية.
أجرى الباحثان أشرف الطريبق وعبد الرزاق المسكي مقارنة بين نماذج الانتخاب في فرنسا وإسبانيا، حيث يعكس النموذجان الفروقات في طريقة الإشراف على الانتخابات. ففي فرنسا، تعتمد لجنة وطنية لمراقبة الحملات الانتخابية، مما يضمن تكافؤ الفرص بين الأحزاب السياسية. أما في إسبانيا، فتتولى هيئة مركزية ذات صلاحيات قضائية وتنظيمية مهمة الإشراف على الانتخابات. وتخلص الدراسة إلى أن المغرب قد بدأ في اتخاذ خطوات تدريجية نحو تبني نموذج توافقي يجمع بين خصوصيته الوطنية والروح العامة للتجارب الدولية.
فيما يخص القاسم الانتخابي، تعتبره الدراسة من القضايا الأكثر إثارة للجدل في الساحة السياسية المغربية. وتُبرز المعارضة أن القاسم الانتخابي يجب أن يُستخدم كآلية لإعادة التوازن بين العدالة التمثيلية والاستقرار السياسي، مع الحفاظ على تمثيل حقيقي للتعددية الحزبية في البرلمان. الدراسة تشير أيضاً إلى المقارنات الدولية في هذا الشأن، حيث اعتمدت ألمانيا نظام “التمثيل النسبي المعدل” لتسهيل دخول الأحزاب الصغيرة دون التأثير على استقرار الأغلبية، بينما تميل إسبانيا إلى نموذج يوازن بين تمثيل القوى السياسية وحماية استقرار المؤسسات. وخلصت الدراسة إلى أن المغرب يقترب من صيغة توافقية تراعي خصوصيات المشهد الحزبي الوطني.
أما في ما يتعلق بالتمويل العمومي للأحزاب السياسية، فتؤكد الدراسة أن مقترحات المعارضة تدعو إلى ربط الدعم بالنتائج السياسية والشفافية المالية. بدلاً من الاعتماد على الدعم الانتخابي التقليدي، يتم طرح تصور جديد يجعل من الرقابة والمحاسبة ركيزتين أساسيتين لترشيد الإنفاق العمومي وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع السياسي. ومن خلال استعراض النماذج الأوروبية الأكثر تقدماً في هذا المجال، مثل النموذج الفرنسي والإسباني، يُلاحظ أن المغرب قد قطع خطوات مهمة، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تفعيل أوسع لمبدأ الشفافية والمساءلة في التمويل الحزبي.
فيما يتعلق بمسألة المناصفة والتمييز الإيجابي، تعد هذه القضية من أبرز المواضيع التي تطرق إليها التقرير. فقد شددت المعارضة على أهمية ضمان التناوب بين الجنسين داخل اللوائح الانتخابية لتحقيق تمثيل منصف للنساء. وقد قدمت أحزاب المعارضة تصورات مختلفة لتحقيق هذا الهدف، مشيرة إلى التجارب الأوروبية التي تُعد نموذجاً في هذا المجال. ففرنسا فرضت قاعدة التناوب في اللوائح منذ عام 2000، في حين ألزمت إسبانيا في 2007 الأحزاب بتخصيص نسبة دنيا من المرشحات.
ختاماً، تؤكد الدراسة على أن الإصلاح الانتخابي في المغرب يجب أن يكون متكيفاً مع خصوصية السياق الوطني، وليس مجرد استنساخ للنماذج الأجنبية. فالديمقراطية ليست مجرد عملية نقل لتجارب أخرى، بل هي تفاعل بين المبادئ الكونية والواقع المحلي، يتطلب التفاعل مع موازين القوى السياسية وتحديات المجتمع المغربي.





