وزارة الداخلية تُعيد تشكيل خارطة التنمية الترابية.. اجتماعات على مستوى 12 جهة

حسين العياشي

انعقد، اليوم الجمعة بالرباط، اجتماع جمع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت برؤساء الجهات الاثني عشر للمملكة، بحضور ولاة هذه الجهات، في خطوة وصفتها الحكومة بـ”توسيع وتعميق دور الجماعات الترابية” في صياغة وتنفيذ الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة.

هذا اللقاء يأتي استكمالاً لسلسلة مشاورات موسعة انطلقت منذ منتصف أكتوبر 2025 على مستوى مختلف العمالات والأقاليم، والتي حاولت رسم مسار تشاركي بين المجتمع المدني، المنتخبين المحليين، والفاعلين المحليين من أجل تأسيس رؤية تنموية مندمجة تتجاوز الاختلالات التقليدية للنموذج السابق. ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن للاجتماعات والبلاغات الرسمية أن تصنع فارقاً ملموساً في حياة المواطن، أم أن الأمر سيبقى محصوراً في أروقة القاعات والمكاتب؟

حسب ما ورد في بلاغ الوزارة، فقد بلغت عملية إعداد برامج التنمية الترابية المندمجة مرحلة متقدمة، شملت التشخيص الترابي، وتحديد المؤشرات الرئيسية، ووضع الاستهدافات، وكلها خطوات أساسية على الورق لضمان “نجاعة البرامج”. لكن التجربة المغربية مع البرامج التنموية تشير إلى أن الخطوات التنظيمية وحدها لا تكفي، فالتحدي الأكبر يكمن في التنفيذ الميداني، وفي قدرة الجهات على تحويل الخطط إلى مشاريع ملموسة، خصوصاً في مناطق تعاني من هشاشة البنية التحتية، وغياب متابعة دقيقة، وتفاوت واضح في الإمكانيات بين الجهات.

كما ركز الاجتماع على إبراز الدور الرئيسي للجهة في وضع البرامج، استناداً إلى اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية. وهذه الاختصاصات تشمل التنمية الاقتصادية، والتنمية القروية، وحماية البيئة، والتشغيل، والتكوين المهني. لكن التحليل النقدي يكشف أن هذه الاختصاصات الواسعة غالباً ما تتصادم مع ضعف التنسيق بين مختلف مستويات السلطة، ونقص الموارد البشرية المؤهلة، والعوائق البيروقراطية التي كثيراً ما تجعل من كل برنامج تطويري مجرد إعلان إعلامي قبل أن يصبح حقيقة ملموسة على الأرض.

ويأتي هذا الاجتماع، وفق تصريحات الوزير، كخطوة لتعزيز “الحوار والتشاركية”، لكن الواقع يعلمنا أن أي برنامج للتنمية الترابية لا يمكن أن ينجح فقط بفضل الاجتماعات الدورية أو البلاغات الرسمية، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية على مستوى التنفيذ، وضمان الشفافية، ومتابعة دقيقة للنتائج، ومساءلة الجهات المكلفة بالتنفيذ، وهو ما يظل السؤال الأكبر في أذهان المواطنين: متى ستصل هذه البرامج إلى المواطن البسيط الذي ينتظر نتائج ملموسة في التشغيل، وتحسين الخدمات، وتطوير البنية التحتية؟

وفي هذا السياق، يشير أحمد الشناوي، النائب الأول للكاتب الوطني للنقابة المستقلة للأطر الإدارية والتقنية للصحة والحماية الاجتماعية، إلى أن أي استراتيجية تنموية مندمجة يجب أن تضع المواطن في صلب الأولويات، وأن تواكبها آليات تنفيذية واضحة، لا أن تظل مجرد أرقام ومؤشرات على الورق. فالخطر الحقيقي يكمن في أن تتحول هذه البرامج، مثل غيرها من المبادرات السابقة، إلى جملة شعاراتٍ سياسية، بينما يظل المواطن بعيداً عن أثرها المباشر.

في نهاية المطاف، يظل الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة خطوة مرحب بها من حيث الرؤية، لكنه بحاجة إلى ترجمة فعلية على الأرض، ومتابعة مستمرة، ومساءلة دقيقة، لكي يتحول من أداة تنظيمية مجردة إلى محرك حقيقي للتنمية وتحسين حياة المواطنين، وليس مجرد محطة لخطابات رسمية وبلاغات إعلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى