وزيرة المالية تفتح ملف قانون المالية قبل موعده الرسمي في المجلس الوزاري

حسين العياشي
فاجأت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، الرأي العام بالكشف عن أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2026 في برنامج بثته قناة “سكاي نيوز عربية”، وذلك قبل عرضه على المجلس الوزاري، الذي يُنتظر أن يترأسه الملك محمد السادس اليوم. هذا الإعلان جاء ليشكل سابقة نادرة في التعامل مع قضايا اقتصادية هامة، مما أثار موجة من الجدل والتساؤلات حول مدى احترام حكومة عزيز أخنوش للأعراف السياسية والدستورية المتبعة في مثل هذه المواقف.
أثار التصرف الذي قامت به الوزيرة، بكشفها عن تفاصيل مشروع قانون المالية قبل مناقشته بشكل نهائي في المجلس الوزاري، الذي يُعتبر الجهة القانونية الأساسية لتحديد أولويات هذا المشروع، تساؤلات عديدة. فقد اعتبره البعض خرقًا فاضحًا للأعراف الدستورية والسياسية التي تقضي بضرورة عرض مثل هذه المشاريع في إطار مؤسسات الدولة الرسمية أولاً. وهذا التصرف، الذي وصفه البعض بالاستعجال غير المبرر، يراه البعض الآخر بمثابة استخفاف بالمسار القانوني الذي يجب أن يتبعه أي مشروع قانون يؤثر في الاقتصاد الوطني وحياة المواطنين.
من جهته، اعتبر عبد الله بووانو، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، أن ما قامت به الوزيرة يعكس نقصًا في الاحترام والوعي السياسي. فهو يشير إلى أن الكشف عن مثل هذه التفاصيل قبل العرض الرسمي في المجلس الوزاري يتعارض مع التقاليد المتبعة في مثل هذه الحالات، لاسيما وأن هذا المجلس هو الذي يُحدد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية. وأكد بووانو أن التصريحات التي أدلت بها الوزيرة تظهر عدم إدراكها الكامل لما يتطلبه التعامل مع مثل هذه القضايا الحساسة.
كما أضاف بووانو أن غياب الوزيرة المتكرر عن الشأن العام الوطني قد يكون قد أدى إلى عدم إدراكها للأزمات الحالية التي تعيشها البلاد، بما في ذلك الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق، وما يتطلبه الوضع من تدابير عاجلة لمعالجتها. وعليه، فقد اعتبر أن هذا التصرف قد يعكس قلة تقدير للموقف الوطني الراهن.
لم تكن تصريحات الوزيرة نادية فتاح العلوي، الوحيدة التي أثارت الجدل في الآونة الأخيرة. فقد سبقتها تصريحات لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، الذي كشف عن تخصيص الحكومة لميزانية غير مسبوقة لقطاع التعليم. ففي عرضه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، أعلن برادة عن تخصيص 85.61 مليار درهم لقطاع التعليم في سنة 2025، مع توقعات بزيادة هذا المبلغ إلى 92 مليار درهم في السنوات القادمة.
في إطار هذه الانتقادات، أشار بووانو إلى أن البرلمان هو الجهة الدستورية المخولة للموافقة على مشاريع القوانين، بما في ذلك مشروع قانون المالية. واعتبر أن الوزيرة، لو كانت قد استوعبت الإشارات الواردة في خطابي العرش وخطاب افتتاح السنة التشريعية، لكانت قد فهمت أن هذه الخطابات تعكس مرجعية سياسية وقانونية دقيقة في تدبير شؤون البلاد. وهو ما يُفترض أن يعكس الوعي الكامل بأهمية احترام المؤسسات الدستورية وآليات اتخاذ القرارات فيها.
في ختام تصريحاته، عبّر بووانو عن استيائه الشديد قائلاً: “عجل الله برحيل هذه الحكومة الكارثية!”، ليعكس بذلك موقفه الحاد من الطريقة التي تدير بها الحكومة الحالية الملفات السياسية والاقتصادية. تُعد هذه التصريحات جزءًا من سلسلة من الانتقادات التي وجهها بووانو للحكومة، مما يعكس تزايد التوترات بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد.
إن الجدل المثار حول تصريحات وزيرة الاقتصاد والمالية بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2026، يُلقي الضوء على الوضع السياسي الراهن في المغرب، ويثير تساؤلات حول مدى احترام الحكومة الحالية للأعراف السياسية والدستورية، في وقت تتطلع فيه البلاد إلى إصلاحات اقتصادية حاسمة.