وزير الصحة يُخصص نصف مليار لإهانة مؤسسات الدولة.. كواليس صفقة التهراوي المشبوهة! (وثائق)

إعلام تيفي _ أشرف بلمودن
أطلق وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، صفقة دولية مفتوحة تحت رقم 85/2025/2، بقيمة تقديرية تبلغ 4.800.000,00 درهم، أي ما يعادل نصف مليار سنتيم، من أجل افتحاص صفقات وزارته برسم سنتي 2023 و2024. الصفقة تغطي ما يقارب 150 صفقة تتراوح قيمتها بين 3 ملايين و461 مليون درهم للواحدة، وفق ما نص عليه دفتر التحملات المؤرخ في 30 يونيو 2025 .

لكن جوهر الفضيحة ليس في الرقم وحده، بل في الإهانة المباشرة لمؤسسات الرقابة الوطنية، حيث في ظاهرها تبدو الصفقة ممارسة عادية للحكامة، لكنها في جوهرها إهانة صريحة لمؤسسات الرقابة الوطنية.
فالمغرب يتوفر على منظومة رقابية متكاملة: المجلس الأعلى للحسابات باعتباره المحكمة المالية العليا، المفتشية العامة للمالية كذراع وزارة الاقتصاد والمالية، المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية، دون الحديث عن المفتشية العامة لوزارة الصحة نفسها، باعتبارها الأداة الأساسية للتفتيش والمراقبة والتدقيق الداخلي.
هذه الأجهزة ممولة من المال العام، وصلاحياتها تشمل بالضبط ما يريد الوزير أن يمنحه لمكتب خارجي: مراقبة الصفقات، التدقيق في النفقات، تتبع التوصيات، تقييم الأداء، والكشف عن حالات تضارب المصالح.

كان يكفي توقيع مراسلة رسمية ليبدأ القضاة والمفتشون عملهم، دون أن يكلف ذلك درهما واحدا من الخزينة. لكن الوزير قرر أن يتجاوزها جميعا، ويستقدم مكتب افتحاص خارجي بنصف مليار سنتيم، وكأنه يعلن رسميا أن أجهزة الرقابة الوطنية عاجزة أو غير ذات جدوى.
والأخطر من ذلك، أن الشبهات تحوم حول المكتب الذي سيفوز بهذه الصفقة “الذهبية”. فالشروط المفصلة في دفتر التحملات تكاد تكون مصممة على مقاس مكاتب بعينها، منها ما يُقال إنه على صلة مباشرة برئيس الحكومة عزيز أخنوش وشبكته المالية، بل إن هناك من يتحدث عن ارتباط محتمل بإحدى مستشارات وزير الصحة والحماية الاجتماعية النافذات. إن صحت هذه الأخبار، فنحن أمام تضارب مصالح فجّ، وصفقة مشبوهة تنضح بالزبونية والولاءات السياسية.
إن الوزير، بقراره هذا، لا يفتح فقط الباب أمام هدر نصف مليار سنتيم من المال العام، بل يوجه رسالة سياسية خطيرة: المجلس الأعلى للحسابات لا قيمة له، المفتشيات العامة مجرد ديكور، مؤسسات الرقابة الوطنية مهمشة.
إن الرسالة أوضح من الشمس: أجهزة الدولة الرسمية تُركن جانبا، وتُستبدل بمكاتب خاصة مرتبطة بدوائر مدبري الشأن العام، لتقوم بدور “الاستاذية” على كبار مسؤولي وأطر وزارة الصحة الذين ضحوا في زمن كورونا بالغالي والنفيس.
هذه ليست صفقة افتحاص، بل هي صفعة في وجه المؤسسات الدستورية، وصفقة سياسية تحمل رائحة الانتقام والضرب تحت الحزام.
الوزير يوزع الملايين على مكتب محظوظ، قد يكون مقرب من رئيس الحكومة ومحيطه، بينما يترك مؤسسات الرقابة الوطنية على الهامش، في إذلال واضح لدولة تقول إن مؤسساتها قائمة.
إنها صفقة عنوانها العريض: إهانة المؤسسات وإهدار المال العام. وما لم يتحرك البرلمان، والرأي العام، والنخب الوطنية، فإن نصف مليار سنتيم ستتحول إلى جائزة ترضية لمكتب محظوظ على طبق من ذهب، وستبقى مؤسسات الرقابة التي نص عليها الدستور حبراً على ورق.





