وسط موجة الابتزاز والمزايدات السياسية.. رئاسة العمران تثبّت بوصلتها نحو المصلحة العامة

حسين العياشي

حيث تتقاطع رهانات السكن اللائق مع تجاذبات السياسة اليومية، تجد مجموعة “العمران” نفسها مرة أخرى ضحية مشهد مضطرب. فخلال الأيام الأخيرة تفجّرت حملة انتقادات جديدة إثر تصريح برلماني أعاد تدوير اتهامات لاحقت المجموعة في ولاية رئاسية سابقة، ولامست صلب مصداقيتها لدى الرأي العام. تتزامن هذه الحملة مع بيئة محلية حسّاسة تتشابك فيها المصالح، وتختلط فيها الرقابة المشروعة بممارسات ضاغطة تستهدف تحويل ملف السكن إلى أداة للمزايدة السياسية.

تفيد روايات متقاطعة من الفاعلين المحليين بأن محاولات ضغط يومية تُمارس على مجموعة “العمران”، تتخذ أحياناً شكل ابتزاز سياسي يربط مسارات مشاريع التهيئة وتسليم التجزئات برضى منتخبين بعينهم، والذين يحاولون جعل اختصاصاتهم وعلاقتهم التدبيرية بمشاريع هذه المؤسسة ورقة سياسية بين أيديهم، لا يستعملونها إلا مع اقتراب المحطات الانتخابية. في مثل هذه الأجواء، يصبح أي تأخير متعمّد في وثيقة تقنية أو مسطرة ترابية مناسبةً للتشكيك والاتهام، خاصة حينما تمنح التسهيلات الادارية لشركات عقارية تنافس  مجموعة “العمران”.. فيما يدفع المواطن كلفة الزمن الضائع قبل أي جهة أخرى: أسر تنتظر سكناً، وأحياء تنتظر استكمال التجهيز، واستثمارات تُعلَّق في عنق الزجاجة الإدارية. ومع كل موجة اتهام، يتسع الهامش بين الحاجة الاجتماعية الملحّة وبين سرديات التشكيك التي تتغذى من الإشاعة ومنطق “التأثير عبر الضجيج”.

في مواجهة ذلك، اختارت مجموعة العمران خطاب الفعل على حساب الجدل، فأعلنت المضي في تقوية آليات الحكامة والشفافية، وتعزيز التتبع الميداني للمشاريع، وتحسين مساطر الطلبيات والتفويت بما يحدّ من مناطق الظل ويُسهل المراقبة. لا تدّعي المؤسسة العصمة من الأخطاء، لكنها تبدو حريصة على نقل النقاش من مربع الاتهام العمومي الفضفاض إلى ساحات التدقيق المؤسسي حيث تتكلم الوثائق والأرقام، لا الانطباعات والانفعالات.

وبلغةٍ أقرب إلى شهادات الوقائع لا إلى سجالات المنابر، قدّمت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، قراءةً لمسار المجموعة خلال السنوات الأخيرة: منذ أولى الجلسات البرلمانية – تقول الوزيرة – كانت نسبة معتبرة من المداخلات منصبّة على “العمران”، إلى حدّ طرح سيناريوهات كانت تتأرجح بين تفكيكها، أو فتح رأسمالها، أو البحث عن بدائل لها. غير أنّ التجربة أثبتت أن البلاد لا يمكن أن تُفرّط في “درعٍ” مؤسساتي كهذا، لاسيما أنّ مؤسسات المجموعة واصلت أداءها في سياق الزلزال رغم أزمة سيولة خانقة عطّلت الأوراش وكادت تطيح بمنسوب الثقة.

بعد تعيين مجلس الإدارة في المجلس الوزاري بتعليمات ملكية، تقول الوزيرة، استعاد المسار توازنه؛ تغيّرت الحكامة، انطلق العمل على أسس مستقيمة، وأظهر أطر المجموعة جاهزيةً تُرجمت إلى نتائج مُحقَّقة في فترة وجيزة “لم تُحقّقها مؤسسة عمومية أخرى بشهادة الجميع”. وتضيف أن هذا النجاح هو أيضاً نجاحٌ للوزارة الوصية التي اشتغلت مع المجموعة يداً بيد، وأن غالبية برامجها نُفّذت عبرها، بما يعكس إرادةً وجديةً في خدمة المصلحة العامة.

وفي هذا السياق، برزت حقبة حسني الغزاوي، رئيس الإدارة الجماعية لمجموعة التهيئة “العمران”، باعتبارها محطة مفصلية في إعادة بناء منظومة الحكامة. فقد شهدت هذه المرحلة تثبيت نهج أكثر صرامة في الضبط الداخلي، وتوسيع دوائر الشفافية، واعتماد آليات تتبع وتقييم منتظمة تربط الإنجاز بالمحاسبة، وهو ما أكدت الوزيرة نفسها وجاهته في أكثر من مناسبة حين أشارت إلى أن الإصلاح ليس شعاراً بل ممارسة تتجسّد في إجراءات قابلة للقياس. بذلك، انتقل النقاش من الانطباع إلى المؤشر، ومن العموميات إلى تعاقد واضح على النتائج.

الجدل الذي أثارته التصريحات الأخيرة يطرح سؤال التوازن الدقيق بين الرقابة السياسية ودورها الطبيعي في حماية المال العام، وبين توظيف الشبهات، عن قصد أو عن جهل، لإرباك الاستثمار العمومي وتسميم مناخ الثقة. فالحقّ أن الرأي العام يحتاج إلى معطيات مضبوطة، والمؤسسات ملتزمة بالتوضيح والاستجابة، غير أن تحويل الاتهام إلى تقنية ضغط يهدد بتقويض الثقة في مساطر الدولة ويضر بالمستفيد الأول من المشاريع: الذي هو المواطن.

الطريق الأقصر إلى إخماد الضجيج ليس الصمت ولا المجادلة المفتوحة، بل الشفافية الممنهجة: نشر المعطيات الجوهرية، تعليل الصفقات، تحديد الآجال بدقة، قياس الأثر الاجتماعي بشكل دوري، وتمكين العموم من تتبع مؤشرات الإنجاز. في هذا المناخ، يصبح صوت المنتخبين قيمة مضافة حين يطرح أسئلة دقيقة مدعومة بالأدلة ويقترح بدائل عملية، لا حين يلوّح بإيقاف مشروع أو يكتفي بتصريح عابر. كما أن تحصين المجموعة قانونياً ومؤسساتياً، وتسريع ورش الإصلاح الداخلي، يغلق منافذ الابتزاز ويحوّل الخلافات إلى اختلافات مُدارة داخل قواعد اللعبة المؤسسية.

في المحصلة، تظل مجموعة العمران الذراع الاستراتيجي للدولة في قطاع إسكان وتأهيل المجالات الحضرية وشبه الحضرية، حيث تتقاطع فيه العدالة الاجتماعية مع متطلبات الاستثمار طويل النفس. هذا القطاع لا يحتمل أن يُترك لمنطق السوق وحده، كما حصل في قطاعات أخرى، لأن كلفته تُقاس بالتماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص الترابية، لا بهوامش الربح فقط.

صحيح أن للقطاع الخاص دوره المحوري في البناء والابتكار والتمويل، لكن الدولة—ومن خلالها مجموعة العمران—هي الضامن الأخير لاستمرارية الورش، وتوازن الأسعار، وتوجيه الاستثمارات إلى حيث لا تجذبها البوصلة التجارية تلقائياً: الأحياء الهشة، المدن الصاعدة، والبوادي التي تحتاج جرعة عدالة عمرانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى