تغييب شعبة الآداب في التعليم الخصوصي بين التهميش المعرفي والتداعيات النفسية على التلميذ

فؤاد يعقوبي
إعلامي ومختص في علم النفس الإجتماعي في السياق المغربي

إن غياب شعبة الآداب في المدارس الخصوصية يعتبر ظاهرة تربوية واجتماعية تطرح تساؤلات عميقة حول تمثلات المجتمع للمعرفة، وتكشف في الوقت ذاته عن انزياحات مقلقة في الوظيفة الأصلية للمدرسة. فمن منظور علم النفس الاجتماعي، لا يمكن فهم هذا الغياب إلا ضمن سياق أوسع من القيم والرموز التي تهيمن على تصورات الجماعة حول التفوق، النجاح، والجدوى.

في الوعي الجمعي الحديث، أصبحت الشعب العلمية، وخاصة الرياضيات والفيزياء، مرادفا للذكاء والتميز . بينما تعاني الشعب الأدبية من تمثلات سلبية، تربط غالبا بضعف الذكاء، وقلة الحيلة، وغموض الأفق المهني. هذه التصورات لا تبنى على معايير معرفية أو تربوية، بل تنبع من ديناميات اجتماعية تنظر إلى المدرسة باعتبارها أداة للترقي الاجتماعي ، لا فضاء لتكوين الذات وتطوير الوعي النقدي.

وبالتالي فالمؤسسات التعليمية الخصوصية، في الغالب، تسير وفق منطق السوق، لما هو مطلوب ومربح، لا لما هو ضروري لتكوين الإنسان المتوازن. فتحقيق نسب نجاح مرتفعة في الامتحانات الوطنية، وتوجيه التلاميذ نحو تخصصات علمية، يعد في نظر هذه المؤسسات معيارا للنجاح المؤسسي، حتى لو جاء ذلك على حساب التعدد المعرفي والتنوع الثقافي. وبذلك، يتم تهميش شعبة الآداب ليس فقط باعتبارها مسارا دراسيا، بل كاختيار وجودي وفكري يعكس هوية فئة من التلاميذ.

فمن الناحية النفسية الاجتماعية، يؤدي هذا التهميش إلى نتائج سلبية. فالتلميذ الذي يميل بطبعه إلى الكتابة والتحليل والتفكير المجرد، يجد نفسه أمام بيئة تعليمية لا تعترف بمواهبه واختياراته، بل تدفعه ضمنيا إلى الشعور بأن ميوله غير ذات قيمة . هذا الإحساس قد يولد لديه ما يعرف في علم النفس الاجتماعي بـالاغتراب المدرسي، حيث يشعر التلميذ بأن المؤسسة لا تمثله، وأن اختياراته المعرفية محاصرة أو يستعرض منها. كما قد ينجم عن ذلك فقدان تقدير الذات، والشعور بعدم الانتماء، مما يضعف الدافعية نحو التعلم، ويؤثر سلبا على المسار الدراسي والشخصي معا.

كما ينعكس هذا التوجه أيضا على البناء الرمزي للهوية داخل المدرسة. فغياب شعبة الآداب يعمق الفجوة بين التلاميذ، ويعيد إنتاج أنماط التمييز القائم على النوع المعرفي. ومن خلال هذا التصنيف غير المعلن، يصبح التلميذ الأدبي مواطنا من الدرجة الثانية داخل الحقل التربوي، وتزرع في داخله صورة سلبية عن ذاته ودوره في المجتمع.

هذه الدينامية لا تمس فقط الأفراد، بل تضعف أيضا الثقافة العامة، وتؤثر على تكوين النخبة الفكرية التي يحتاجها المجتمع لتأطير النقاش العموميو التأثير في المجتمع ، وتقديم رؤى نقدية بناءة. فالمعرفة الأدبية والإنسانية ليست ترفا ولا بديلا، بل شريكا أساسيا في بناء مجتمع متوازن قادر على التفكير في ذاته، وفي تحولاته، وفي مستقبله.

لذلك، فإن إدماج شعبة الآداب في العرض التربوي للمدارس الخصوصية لا يجب أن ينظر إليه كخيار تقني أو إداري، بل كواجب ثقافي وتربوي، يهدف إلى تصحيح تمثلات مغلوطة، واستعادة قيمة التنوع المعرفي، وضمان حق كل تلميذ في أن يجد مسارا يعكس ذاته. فالتعليم الحقيقي لا يقوم على تصنيف العقول، بل على احتضانها جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى