الأميرة لالة حسناء تدعو من أبوظبي إلى إشراك الشباب في قيادة التحول البيئي

حسين العياشي
في مشهد مهيب احتضنه مركز المعارض الوطني بأبوظبي، كانت صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة حسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، ضيفة شرف على المؤتمر العالمي للطبيعة، الذي ينظمه الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (UICN). حضورها لم يكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل شهادة جديدة على التزام المغرب العميق، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، بجعل حماية البيئة أولوية وطنية واستراتيجية للمستقبل.
منذ لحظة وصولها إلى المركز، حيث استقبلتها وزيرة الدولة الإماراتية المكلفة بالتعليم ما قبل المدرسي، السيدة سارة عوض عصام مسلم، بدا أن الأميرة تحمل رسالة واضحة إلى العالم: لا مستقبل للبشرية دون وعي بيئي راسخ، ولا تنمية مستدامة دون مواطن مسؤول ومتعلم بيئيًا.
في كلمتها الافتتاحية، أكدت سموها أن رؤية جلالة الملك محمد السادس، جعلت من حماية البيئة والحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية أساسًا لكل سياسة تنموية في المغرب، مضيفة أن مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة تعمل، منذ تأسيسها، على تجسيد هذه الرؤية من خلال برامج ملموسة وقابلة للقياس.
وقالت الأميرة لالة حسناء: “ما يؤسس لمهمتنا هو طموح إدماج التربية البيئية في السياسات العامة، وفي سلوكيات الأفراد والمقاولات، وفي العمل المواطن.” فالتربية، في نظرها، ليست ترفًا بيئيًا، بل حجر الزاوية لأي تحول مستدام، لأن حماية التنوع البيولوجي ترتبط ارتباطًا عضويًا بالتربية والمواطنة الفاعلة.
وشددت سموها على أن النجاح في أي سياسة بيئية يمر عبر مشاركة المواطنين، وخاصة إشراك المجتمعات المحلية والفئات الهشة، معتبرة أن منحها الكلمة ومرافقتها في جهودها البيئية يشكلان شرطًا أساسيًا لتحقيق انتقال بيئي عادل وشامل.
ولم يكن هذا المبدأ غريبًا عن برامج المؤسسة التي ترأسها سموها، فقد استحضرت الأميرة أمثلة حية مثل برنامجي “المدارس الإيكولوجية” و”الصحافيون الشباب من أجل البيئة”، اللذين يغرسـان في الأطفال والشباب قناعة بأن حماية الطبيعة ليست مسألة ثانوية، بل مسؤولية جماعية تحدد ملامح مستقبلهم.
كما سلطت الضوء على حملة “بحر بلا بلاستيك” التي أطلقتها المؤسسة سنة 2019، والتي نجحت في تعبئة مجتمعات بأكملها من مواطنين وجمعيات وشركات لتحقيق هدف مشترك: الحد من التلوث البلاستيكي وحماية الحياة البحرية.
واستحضرت سموها أيضًا مشاريع إعادة تأهيل مواقع رامسار بمرشيكة ووادي الذهب والداخلة، إلى جانب برنامج صون وتطوير واحة النخيل بمراكش، كأمثلة على العمل الميداني المتواصل الذي يجسد روح التعاون والابتكار.
ولأن الابتكار يشكل وجهًا آخر للوعي البيئي، فقد أشارت الأميرة إلى أن المؤسسة باتت تستكشف مجالات جديدة لربط الرياضة بالبيئة، مؤكدة أن الرياضة “لغة كونية” تحمل قيم الجماعة والمسؤولية وتملك قدرة فريدة على تحفيز الشباب على الوعي البيئي والعمل الجماعي.
وتوجهت سموها بخطاب مباشر إلى الشباب، خاصة في إفريقيا، مؤكدة أنهم ليسوا قادة المستقبل فحسب، بل صناع الحاضر أيضًا. وذكّرتهم بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون حليفًا قويًا في فهم النظم البيئية واستباق المخاطر، لكنه لن يكون نافعًا إلا إذا استخدموه بطريقة أخلاقية وشاملة تخدم الإنسان والطبيعة معًا.
واختتمت صاحبة السمو الملكي كلمتها برسالة أمل وإصرار، قائلة: “التربية، والتعبئة، والابتكار، والشباب هي مفاتيحنا لتحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس.”
بعد الكلمة، ترأّس سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، الجلسة الافتتاحية التي شهدت أيضًا كلمات لرئيس جمهورية بالاو، ووزيرة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات، ورئيسة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
كما عقدت الأميرة لالة حسناء لقاءً خاصًا مع العالمة الأميركية سيلفيا إيرل، رائدة علم المحيطات ورئيسة منظمة Mission Blue، قبل أن تقوم بجولة في أجنحة الإمارات، والاتحاد الدولي، وإفريقيا.
هكذا، جسدت مشاركة الأميرة لالة حسناء مرة أخرى صوت المغرب البيئي على الساحة الدولية، صوتًا يحمل رسالة مفادها أن حماية الطبيعة ليست واجبًا تقنيًا، بل التزام إنساني وأخلاقي تجاه الأجيال القادمة، وأن التربية هي السبيل الأسمى لبناء عالم تتصالح فيه الإنسانية مع كوكبها.