1300 كاميرا لتتبع سلوك المواطنين في شوارع الدار البيضاء

حسين العياشي

تستعد جماعة الدار البيضاء لإحداث ثورة في طريقة تدبير قطاع النظافة، عبر تسخير التكنولوجيا الرقمية لمراقبة سلوكيات المواطنين داخل الفضاء العام. فالعاصمة الاقتصادية، التي لطالما واجهت تحديات كبرى في الحفاظ على نظافتها، تراهن اليوم على الذكاء الاصطناعي والكاميرات الذكية لتغيير المشهد الحضري برمته.

المشروع يقوم على شبكة واسعة تضم أكثر من 1300 كاميرا مراقبة موزعة عبر مختلف شوارع وأحياء المدينة، ستعمل على رصد سلوكيات السكان المتعلقة برمي الأزبال والنفايات في غير أماكنها، وربط هذه السلوكيات بتحليلات رقمية دقيقة تتيح للسلطات تحديد مصادر الفوضى واتخاذ الإجراءات المناسبة. هدف الجماعة من ذلك ليس العقاب بقدر ما هو تصحيح السلوك وتكريس ثقافة المسؤولية الجماعية تجاه الفضاء المشترك.

هذا التوجه الجديد يعكس إرادة واضحة لدى مجلس المدينة لإرساء نموذج حضري يقوم على الرقمنة والحكامة الذكية، في إطار رؤية أوسع لتحسين جودة الحياة في الدار البيضاء، التي تسعى لأن تكون في مصاف المدن الذكية بالمنطقة. فالمراقبة الذكية ليست مجرد وسيلة لتتبع المخالفات، بل آلية لتوفير معطيات دقيقة تساعد في رسم خرائط للنظافة وتوجيه الموارد البشرية واللوجستيكية نحو النقاط الأكثر حاجة للتدخل.

ويرى متتبعون للشأن المحلي أن الدار البيضاء تمهد من خلال هذه المبادرة لتجربة رائدة يمكن أن تمتد إلى باقي المدن الكبرى كطنجة ومراكش وأكادير وفاس والرباط، خاصة في ظل الاستعدادات التي تعرفها المملكة لاستضافة فعاليات رياضية دولية كبرى تتطلب مدناً نظيفة ومنظمة تعكس صورة المغرب الحديثة.

ويؤكد خبراء في التحول الرقمي أن توظيف التكنولوجيا في مراقبة النظافة يمثل تحولا حقيقيا في فلسفة تدبير المرفق العمومي، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على جمع الأزبال أو تنظيف الشوارع، بل أصبح مرتبطاً بمنظومة رقمية تراقب وتُحلل وتُوجّه، لتجعل من المواطن شريكاً أساسياً في صون جمالية المدينة.

وبين من يرى في الخطوة نقلة نوعية نحو مدينة ذكية، ومن يتخوف من تجاوزات محتملة تمس الحياة الخاصة للأفراد، يبقى المؤكد أن الدار البيضاء تفتح اليوم صفحة جديدة في علاقتها مع بيئتها وسكانها. فإذا ما نجحت التجربة، فقد تكون بداية مسار جديد نحو مدن مغربية أكثر وعياً واستدامة، حيث تتحول الكاميرا من أداة مراقبة إلى مرآة تعكس سلوك المجتمع ورقيّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى