15 مليون سائح: نمو في الأرقام.. وتراجع في الأثر الاقتصادي الحقيقي

حسين العياشي

أعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن استقبال المغرب 15 مليون سائح حتى نهاية شتنبر الماضي، بزيادة قدرها 14% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. رقم يبدو للوهلة الأولى مبشراً، يعزز الثقة في الوجهة المغربية، ويكرّس صورة بلد استطاع أن يتجاوز تحديات ما بعد الجائحة ويستعيد بريقه السياحي. لكن خلف هذا البريق، يطفو سؤال أعمق: هل تعبّر هذه الأرقام فعلاً عن تحول هيكلي في القطاع، أم أنها مجرد صدى ظرفي لموسم استثنائي وطفرة اتصالية؟

إن هذا الرقم القياسي، مهما بدا لامعاً، لن تكون له آثار اقتصادية ملموسة إذا ظل إنفاق السائح محدوداً خلال إقامته في المغرب. فالقيمة الحقيقية للسياحة لا تقاس بعدد الوافدين فقط، بل بحجم إنفاقهم ونوعية استهلاكهم للمنتجات والخدمات المحلية، وهي الحلقة الأضعف حالياً في منظومة السياحة الوطنية. فالكثير من الزوار يقتصرون على إنفاق محدود في الإقامة والنقل، بينما تظل قطاعات الصناعة التقليدية، والمطاعم، والخدمات الثقافية ضعيفة الاستفادة من هذه الدينامية.

صحيح أن شهر شتنبر وحده استقبل 1.4 مليون سائح بزيادة 9%، وأن الحكومة كثّفت من جهودها في تعزيز الربط الجوي والترويج الرقمي وتحسين تجربة الزوار، إلا أن الواقع الميداني في عدد من الوجهات لا يزال يكشف عن اختلالات بنيوية، تتعلق أساساً بجودة الخدمات، وضعف البنية التحتية في المدن الصاعدة سياحياً، فضلاً عن غياب توازن في توزيع العائدات بين الجهات.

وفي هذا السياق، أكدت الوزيرة فاطمة الزهراء عمور أن هذه النتائج “تعكس نجاح الاستراتيجية الوطنية للسياحة”، مشددة على أن الحكومة ماضية في تعبئة مواردها لجعل القطاع رافعة اقتصادية شاملة. غير أن هذه التصريحات، رغم نبرتها الإيجابية، لا تجيب عن تساؤلات جوهرية تتعلق بمدى استفادة الاقتصاد المحلي فعلياً من هذا النمو، ومدى قدرة السياسات الحالية على خلق فرص شغل مستدامة في المناطق الأقل حظاً.

فالنمو العددي للسياح لا يعني بالضرورة نموّاً نوعياً في التجربة السياحية أو في مردودية القطاع. إذ ما زالت السياحة المغربية، في جزء كبير منها، رهينة لمواسم الذروة ولمدينة أو مدينتين، في حين تكافح وجهات أخرى من أجل حجز موطئ قدم في خريطة الترويج الوطني.

ثم إن تسجيل 15 مليون سائح يمثل بلا شك مؤشراً إيجابياً ويدل على جاذبية المغرب، لكنه في الوقت نفسه اختبار حقيقي لقدرة السياسات العمومية على تحويل الزخم السياحي إلى تنمية اقتصادية عادلة ومستمرة. فالسياحة ليست فقط أرقاماً تصدرها المكاتب والمؤسسات، بل منظومة معيشية واقتصادية تتجلى في رضا السائح، وكرامة العامل، واستدامة الوجهة.

بين لغة الأرقام ولغة الواقع، يبدو أن المغرب يقف اليوم أمام منعطف حاسم: إما أن يرسّخ هذا النجاح الظرفي بتحولات هيكلية تمس الحكامة والجودة والتوزيع المجالي، وإما أن تظل الأرقام مجرد واجهة لنجاح اتصالي سرعان ما يخفت وهجه مع أول اهتزاز في السوق الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى