
حسين العياشي
على الورق، تبدو حصيلة مخطط المغرب الأخضر بإقليم تيزنيت زاخرة بالأرقام اللامعة والتصريحات المطمئنة. لكن على أرض الواقع، تكشف المعطيات الميدانية عن صورة مغايرة تمامًا: واجهات مصقولة للعرض أمام الكاميرات، ومشاريع متعثرة، وأموال طائلة تبخرت في مسالك غامضة.
ضيعات على المقاس.. للفرجة لا للفلاحة
بحسب مصادر محلية، لا يتعدى الاهتمام الفعلي من قبل المديرية الإقليمية للفلاحة سوى ثلاث أو أربع ضيعات نموذجية، تُغدق عليها المعدات والأسمدة ويُشرف عليها بشكل يومي، لتُعرض لاحقًا على الوزراء والمسؤولين والصحفيين كنماذج “ناجحة”. أما باقي المشاريع، فإما متوقفة أو لم تتجاوز الورق، تاركة خلفها أراضٍ قاحلة وخسائر مالية.
جمعيات بغطاء سياسي.. ومشاريع بلا روح
تقارير محلية تشير إلى أن جمعيات مقربة من حزب يقود الحكومة استفادت من تمويلات ضخمة، لكن مشاريعها انتهت إلى الفشل دون محاسبة. الأخطر أن بعضها حصل على دعم لمشاريع جديدة رغم إخفاقها السابق، في ظل ما وصف المتتبعون بـ”تواطؤ” مسؤولين محليين.
وتشير المصادر، أن بعض المشاريع تُوجَّه نحو مناطق تعتبر “خزانات انتخابية”، حيث تُربط الاستفادة منها بولاءات سياسية. قرى بأكملها يُقال لها بصريح العبارة: “المشروع مقابل التصوي””، وسط غياب معايير شفافة لتوزيع الدعم.
تضارب مصالح على المكشوف
في حالات مثيرة للجدل، أسس موظفون بالمديرية الإقليمية شركات خاصة حصلت على تمويلات، ثم تولوا بأنفسهم مراقبة مشاريعهم، جامعِين بين صفة المستفيد والمراقب في آن واحد، في غياب تام لأي رقابة مستقلة.
أرقام بالمليارات.. ونتائج دون الحد الأدنى
رغم الحديث عن ميزانية تناهز 150 مليار سنتيم، فإن ما تحقق على الأرض يظل هزيلاً. ضعف خبرة الشركات المنفذة، وغياب الدراسات قبل حفر الآبار، ونضوب المياه خلال أشهر، جعل كثيرًا من المزروعات تلفظ أنفاسها الأولى قبل أن تُثمر.
مسؤولية غائبة.. وأصابع الاتهام نحو الجمعيات
في عقود الشراكة، وضعت المديرية الإقليمية بنودًا تجعل الجمعيات وحدها تتحمل مسؤولية الفشل، بما في ذلك إعادة الدعم المالي، بينما يبقى دور المسؤولين بعيدًا عن أي مساءلة.
النجاحات الاستثنائية.. لأغراض شخصية
المشاريع القليلة التي نجحت تعود في الغالب لرجال أعمال نافذين، استفادوا من الدعم العمومي لتطوير ضيعات خاصة بهم، أحيانًا فقط لتزيين إقاماتهم أو توفير مياه لاحتفالاتهم الخاصة.
صمت رسمي رغم الشكاوى
ورغم الشكايات المتكررة، لم يتحرك ساكن. البرلمانية نزهة أبكرين طالبت بإيفاد لجان افتحاص، دون أن تتلقى جوابًا. سكان مناطق مثل تازريت ابناران وتمزليت يرفعون مطالب مماثلة، لكن الصمت يظل سيد الموقف.
أين ذهبت الـ150 مليار؟
في ظل غياب تحقيق جدي، يظل السؤال الأكثر ترديدًا بين ساكنة تيزنيت بلا جواب: أين اختفت أموال المخطط الأخضر؟ وهل كان الهدف فعلًا هو دعم الفلاح الصغير، أم أن الأمر لم يتعدَ صناعة واجهات لالتقاط الصور؟





