21 مليون محاولة اختراق.. الأمن الرقمي المغربي في سباق مع الزمن (تقرير)

حسين العياشي
في عالم يزداد اتصالًا وتعقيدًا، يجد المغرب نفسه اليوم عند تقاطع هش بين انفجار التهديدات الرقمية العالمية وتنامي الهجمات المحلية. التقارير الدولية، من “Hacken” إلى “Kaspersky”، تدق ناقوس الخطر: فضاء الإنترنت لم يعد آمنًا كما كان، والحدود بين الجريمة السيبرانية المحلية والعابرة للقارات تتلاشى بسرعة.
النصف الأول من سنة 2025 حمل أرقامًا مقلقة. تقرير شركة “Hacken”، المتخصصة في أمن “Web3″، سجل أكثر من 3.1 مليارات دولار من الخسائر العالمية نتيجة هجمات استهدفت المنظومات اللامركزية والبلوكشين، متجاوزة بذلك إجمالي خسائر سنة 2024. أكثر من نصف هذه الخسائر نُسب إلى ثغرات في إدارة صلاحيات الوصول (59%)، إلى جانب عمليات احتيال عبر الهندسة الاجتماعية تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار، فضلًا عن ثغرات قاتلة في العقود الذكية التي تشكل قلب الأنظمة المالية اللامركزية (DeFi).
وإن لم يكن المغرب ضمن الدول التي شهدت “الاختراقات الكبرى” مثل حادثة منصة “Bybit” التي كلفت 1.46 مليار دولار، أو اختراق “Cetus” الذي التهم 223 مليون دولار في ربع ساعة فقط، فإن الخطر لا يبدو بعيدًا. فمع الانتشار المتسارع للمحافظ الرقمية والخدمات المالية عبر الإنترنت، تتسع رقعة المخاطر في السوق المغربي، خصوصًا في غياب منظومات حوكمة رقمية صارمة تضمن أمن البيانات وحماية الواجهات الإلكترونية.
لكن الأخطر، كما يحذر تقرير “Hacken”، هو التحول النوعي في طبيعة الهجمات. الذكاء الاصطناعي، الذي يمثل ثورة في الابتكار، أصبح أيضًا أداة هجومية في يد القراصنة. فقد ارتفعت الهجمات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي بنسبة 1025% منذ سنة 2023، مستهدفة واجهات برمجة التطبيقات غير المؤمنة، والوكلاء الذاتيّين السيئي التهيئة، وأنظمة التعلم الآلي. هذا المعطى يضع المغرب أمام تحدٍ جديد، خصوصًا مع دخول العديد من الشركات الناشئة المغربية عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي والأنظمة الذكية دون حماية كافية.
في المقابل، جاء تقرير “Kaspersky” ليعزز هذا التشخيص المقلق، كاشفًا أن المغرب شهد خلال النصف الأول من 2025 نحو 21 مليون محاولة هجوم إلكتروني. منها 15 مليون هجوم محلي انتشرت عبر الشبكات الداخلية والأقراص القابلة للإزالة والمجلدات المشتركة، ما يعكس ضعفًا هيكليًا في الدفاعات الداخلية للمؤسسات. أما 6 ملايين هجوم أخرى فكانت مرتبطة بالإنترنت مباشرة، وتنوعت بين استغلال الثغرات البرمجية، وهجمات التصيّد الإلكتروني، وبرامج الفدية التي تُطالب بفدية تُدفع بالعملات المشفرة — في إشارة واضحة إلى التداخل المتزايد بين الجريمة الرقمية المحلية ونظام “Web3” العالمي.
وما يزيد الصورة قتامة، أن “Kaspersky” رصدت أكثر من 390 ألف محاولة سرقة لهويات رقمية وكلمات مرور عبر برامج تجسّس، و8 آلاف عملية زرع “أبواب خلفية” يمكن أن تمنح المهاجمين وصولًا سريًا إلى محافظ رقمية وأصول مشفرة، ما يجعل القطاعين البنكي والاتصالات في صدارة الأهداف المحتملة.
وسط هذا المشهد المتشابك، يقف المغرب أمام منعطف حاسم. فبعد سنوات من الحذر تجاه العملات المشفرة، بدأت السلطات في صياغة إطار قانوني منظم لتأطير استخدام الأصول الرقمية وحماية المستثمرين، دون إغفال البعد الأمني ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لكن التقارير الأخيرة تضع الجميع أمام واقع لا يمكن تجاهله: التهديدات الرقمية لم تعد مجرد فرضية، بل معركة يومية تتطلب استنفارًا وطنيًا.
الرسالة واضحة: إذا كانت الخسائر المليارية المسجلة عالميًا جرس إنذار للبشرية، فإن الملايين من محاولات الاختراق التي استهدفت المغرب هذا العام هي نداء إلى التحرك العاجل. على المؤسسات والشركات والإدارات أن تتعامل مع الأمن السيبراني كركيزة للثقة الرقمية، لا كخيار تقني هامشي. المطلوب اليوم استثمار حقيقي في الدفاعات الرقمية، وتأهيل الكفاءات الوطنية لمواكبة جيل جديد من التهديدات التي تتسلل بصمت إلى مفاصل الاقتصاد الرقمي.
في النهاية، المعركة لم تعد بين “هاكر” مجهول وشركة ضحية، بل بين وعي أمني يتأخر، وتهديدات لا تنتظر.