500 درهم لا تطعم فقيرا: هل ولد ورش العدالة الاجتماعية ميتا؟

نجوى القاسمي

مرة أخرى، تعود الحكومة لتبشر المواطنين بـورش العدالة الاجتماعية وبأن الدعم المباشر سيكون طوق نجاة لملايين الأسر الهشة، غير أن الواقع، كما تعكسه الأرقام وشهادات الميدان، يفضح الكثير من التناقضات التي تعتري هذا المشروع، ويطرح أكثر من سؤال حول مدى جدية الدولة في ضمان عدالة توزيع هذا الدعم، بل وجدواه أصلاً في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار.

فخلال جلسة الأسئلة الشهرية بمجلس المستشارين، يوم الثلاثاء 27 ماي الجاري، أعلن رئيس الحكومة أن برنامج الدعم المباشر يستهدف الوصول إلى 4 ملايين أسرة، تمثل ما يقارب 60 في المئة من الفئات غير المستفيدة من أنظمة التعويضات العائلية. ويعد البرنامج بتقديم 500 درهم كحد أدنى و”قد يصل” إلى 1200 درهم، حسب تركيبة الأسرة ووضعيتها الاجتماعية. وبكل فخر، تحدث رئيس الحكومة عن تخصيص 25 مليار درهم سنة 2024، و26 مليار درهم سنة 2025 لإنجاح هذا الورش.

لكن، بعيدا عن هذه الأرقام الضخمة والتصريحات المتفائلة، يجد آلاف المغاربة أنفسهم خارج دائرة الاستفادة، رغم انتمائهم فعليًا للفئات الاجتماعية الهشة. فحسب المعطيات الرسمية، تم رفض أكثر من 46 ألف طلب خلال شهر يناير 2025 فقط، بدعوى أن “مؤشرهم الاجتماعي والاقتصادي” تجاوز العتبة المسموح بها، والتي تم تحديدها في 9.74 نقطة، بناء على معايير يصفها كثيرون بـ”الغامضة وغير المنصفة”.

ما يثير القلق أكثر هو أن العديد من الأسر التي استفادت مؤقتا من الدعم خلال الأشهر الماضية، وجدت نفسها فجأة محرومة منه، دون أي توضيح منطقي، سوى أن “الهيئات المسيرة” وجدت أن مؤشرها ارتفع بشكل غامض. هذه الأسر التي بالكاد تغطي حاجياتها الأساسية، باتت تواجه الارتفاع المهول في أسعار المواد الغذائية والخدمات، دون دعم، ودون تفسير واضح.

ولعل ما يزيد من حدة الغضب الشعبي هو أن الحكومة تتعامل مع الدعم كامتياز وليس كحق.، بل يجب أن يستوفي المستفيد شروطا صارمة قد لا تعكس بالضرورة هشاشة وضعه المعيشي. وهنا يطرح سؤال محوري نفسه: هل من المنطقي حرمان أسرة من 500 درهم فقط لأنها تجاوزت نقطة واحدة في مؤشر غير مفهوم؟

إن ربط الدعم الاجتماعي بنظام تنقيط مبني على معطيات دقيقة يبدو في ظاهره منطقيا، لكنه في واقع الحال يتحول إلى أداة إقصاء تقني وبيروقراطي يخنق الأسر المستحقة عوض أن يحميها. فحتى في حال استفادتها، فإن مبلغ 500 درهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُشكّل دعمًا فعليًا لأسرة تواجه أسعارًا ملتهبة في المواد الغذائية، وفواتير الماء والكهرباء، وتكاليف التمدرس والصحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى