600 مليار تُنهب في صمت.. “مراكش الحاضرة المتجددة” تتحول إلى بقرة حلوب!

حسين العياشي

في مراكش، تتصاعد فصول مثيرة تكشف عن شبكة فساد معقدة تحوّلت معها الميزانيات العمومية إلى غنيمة يتقاسمها بعض المنتخبين والمسؤولين النافذين. هذه المرة، جاء التحذير من الفاعل الحقوقي محمد الغلوسي الذي دق ناقوس الخطر حول ما يجري داخل برنامج “مراكش الحاضرة المتجددة”، المشروع الذي رُصدت له ميزانية ضخمة تُقدّر بـ 600 مليار و300 مليون درهم، لكنه تحوّل وفق ما يكشفه الغلوسي إلى مصدر ثراء فاحش لفئة محدودة.

يروي الغلوسي كيف جرى تأسيس شركات في سرية تامة، في جنح الليل كما قال، لفائدة أصدقاء وأقارب ومن تجمعهم علاقات غامضة ببعض المنتخبين الكبار. شركات وُلدت فجأة وبسرعة غير مفهومة، واستطاعت قبل أن تُسجَّل رسميًا أن تفوز بصفقات وصفها الغلوسي بالطائلة، بل وحتى الحصول على عقارات، في خرق واضح للقواعد والمساطر القانونية. الأخطر أن حجم هذه الصفقات تجاوز في بعض الحالات خمسين مليون درهم، رغم أن تلك الشركات لا تملك عناوين حقيقية أو مقرات فعلية، وتُسجَّل فقط على الورق.

الغلوسي قدم مثالًا صارخًا عن شركات لا يتجاوز رأسمالها 100 ألف درهم، لكنها أصبحت تتحكم في استثمارات ممتدة من البحر إلى البر، ومن السياحة إلى الصناعة والفلاحة والعقار والإعلام، بينما يُسجَّل مقرها في دوار تابع لجماعة سلالية فقيرة. وموازاة مع ذلك، برزت علامات الثراء الفاحش على أصحابها من المنتخبين، الذين استحوذ بعضهم على ممتلكات واسعة، بينها عقارات كبيرة في نفس الدوار.

كما تفيد المصادر، أن أحد هؤلاء استولى على ما يقارب 100 هكتار من عقار محفظ باسم الجماعة السلالية، بعد أن سجّل نفسه ضمن “ذوي الحقوق”، بينما تم إقصاء الأسر المستحقة فعليًا من اللوائح. وهنا، يطرح الحقوقي سؤالًا مباشرًا: إلى متى يستمر هذا العبث؟ وأين وزير الداخلية مما يحدث؟

لم يتوقف الغلوسي عند حد السرد، بل وصف ما يحدث بشبكة إجرامية منظمة تُنسّق بين منتخبين ومسؤولين لتوزيع المال العام والعقارات العمومية بينهم، حتى باتت بعض الأملاك تُقدّم كهدايا وهبات متبادلة، في استخفاف صارخ بالقانون والدولة.

ومن شدة ما بلغته هذه الاختلالات، أصبح السكان يطلقون على البرنامج بدل “مراكش الحاضرة المتجدد”.. اسم “مراكش البقرة الحلوب”، في إشارة إلى النهب المستمر الذي يطال المال العام دون رقيب. ورغم خطورة الاتهامات ووضوح مظاهر الاغتناء غير المشروع، فإن المتورطين ما يزالون طلقاء، لا تطالهم أي محاسبة، بينما يدرك المواطن البسيط جيدًا ما ينتظره لو ارتكب جزءًا يسيرًا من هذه التجاوزات.

الغلوسي اختتم تدوينته بوعد جديد: تفاصيل أكثر ستظهر في قادم الأيام، وشكاية أخرى ستُرفع إلى الجهات المختصة علّها تضع حدًا لهذا النزيف. وبذلك، يبدو أن هذا الملف لن يُغلق قريبًا، وأن ما يُكشف عنه ليس إلا جزءًا من جبل جليدي يُخفي ما هو أخطر… انتظارًا ليوم تتكشّف فيه الحقيقة كاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى