قرار ترامب بفرض رسوم جمركية .. الآثار المرتقبة على الاقتصاد المغربي

ذ.بدر الزاهر الأزرق*
في خطوة تعكس نهجًا اقتصاديًا حمائيًا، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، رسومًا جمركية على مجموعة من الدول، بما في ذلك المغرب، وذلك رغم اتفاقية التبادل الحر المبرمة بين البلدين منذ سنة 2006. هذا القرار لم يكن مجرد إجراء تقني، بل حمل في طياته تداعيات اقتصادية واسعة النطاق، سواء على المغرب أو الاقتصاد العالمي، مما أثار تساؤلات حول استقرار النظام التجاري الدولي.
الاقتصاد الوطني، بين تراجع قيمة الدولار واضطراب التجارة الدولية
من بين التداعيات الرئيسية لسياسة ترامب الجمركية، كان التأثير المباشر على قيمة الدولار الأمريكي؛ فمع تصاعد التوترات التجارية وزيادة الرسوم الجمركية، تراجعت بشكل آني جاذبية الدولار عالميًا، مما أدى إلى تقلبات في أسواق العملات وزيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن، وهو الأمر الذي من المرتقب أن يكون له تأثير على تكلفة الواردات، خاصة بالنسبة لبلد كالمغرب الذي يستورد عددا كبيرا من المنتجات المصنعة والشبه المصنعة والخام بالاعتماد على سلة عملات مكونة أساساً من الدولار والأورو، وهو ما قد ينعكس على الأسعار محليًا ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يعيد إلى أذهاننا سيناريوهات الأزمة التضخمية الأخيرة التي خلفت خسائر جسمية للاقتصاد الوطني.
إلى جانب ذلك، قد تساهم الرسوم الجمركية المفروضة في خلق بيئة استثمارية غير مستقرة، بالنظر إلى أن معظم الشركات العالمية اليوم تترقب تأثير هذه السياسات على سلاسل التوريد والتكاليف الإنتاجية، من أجل إعادة النظر في توجهاتها الاستثمارية، وهو الأمر الذي قد ينعكس سلباً على أداء الاقتصاد المغربي، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات لأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، وذلك في حالة ما إذا قررت بعض الشركات إعادة توطين نشاطها خارج المملكة وإعادة توجيه استثماراتها نحو أسواق أقل تأثرًا بهذه الرسوم.
اتفاقية التبادل الحر وقطاع السيارات، التداعيات المرتقبة
إن هذه الإجراءات باتت تفرض تساؤلات جدية حول مستقبل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2006، وذلك بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نسبة 10 % كتعرفة جمركية قارة على المنتجات المغربية؛ فرغم أن الاتفاقية ساهت في تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ خلال السنتين الأخيرتين أكثر من 5,5 مليار دولار، فإن فرض الرسوم الجديدة يشكك في مدى التزام واشنطن بمبادئ الاتفاق وقد يسهم في تراجع نمو المبادلات التجارية، كما قد يدفع المغرب مرة أخرى إلى إعادة التفكير في التفاوض حول بعض بنود الاتفاقية أو البحث عن أسواق بديلة لتعويض أي خسائر محتملة، كما قد تٌطرح أسئلة عديدة في هذا الصدد حول إمكانية تعامل الممكلة المغربية بالمثل مع البضائع الامريكية وفرض رسوم جمركية عليها، وذلك في عملا بمبدأ الحمائية للمضادة الذي بدأت تلوح به الصين وعدة بلدان أوروبية في حالة عدم تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها.
وباعتبار المغرب مركزًا صناعيًا إقليميًا في مجال السيارات، فإن فرض رسوم أمريكية جديدة بنسبة 25% على واردات السيارات قد يؤثر بشكل غير مباشر على القطاع، رغم أن المغرب لا يصدر السيارات بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة، فإن مصنعين أوروبيين وآسيويين يستثمرون في المغرب ويعتمدون على السوق الأمريكية، مما قد يدفعهم إلى إعادة تقييم استثماراتهم في المملكة، كما أن سلاسل الإمداد، التي تشمل شركات مغربية توفر قطع الغيار، قد تتأثر بتباطؤ الطلب العالمي.
إن هذه التحولات بات تستدعي أكثر من أي وقت مضى تبني سياسة اقتصادية مرنة، وتسريع عملية تنويع الشركاء والأسواق وعدم الاعتماد على شريك تجاري واحد، وهو ما سعت المملكة المغربية إلى تحقيقه خلال العقدين الأخيرين، دون أن تفلح في تخفيف قيود التبعية للاقتصاد الأوروبي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية قد تمتد آثارها لتشمل الاقتصاد الوطني، وإن كانت تأثيراتها غير مباشرة لكنها حقيقية، خصوصًا في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية وقطاع السيارات واستقرار التبادل التجاري.
إن قرار ترامب بفرض رسوم جمركية ليس مجرد إجراء اقتصادي داخلي، بل له أبعاد دولية سوف تؤثر بشكل كبير على التوازنات التجارية والاقتصادية العالمية، وهو قرار يتزامن مع تراجع دور المؤسسات الدولية التي كانت تدعم انسيابية التجارة العالمية، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية، خاصة بعد تعليق الدعم والتمويل الأمريكي لها، وهو ما يشكل تهديدًا لنظام اقتصادي بُني على قواعد مستقرة لعقود، قد يقود العالم نحو مستقبل مجهول.
*أستاذ باحث في قانون الأعمال والاقتصاد ـ جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء





