بعد 36 سنة من اتفاقية حقوق الطفل: هل يعيش أطفال المغرب طفولة آمنة؟

نجوى القاسمي
في الذكرى الـ36 لاعتماد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1989، وفي سياق تخليد اليوم العالمي للطفل الذي يصادف 25 ماي من كل عام، يبرز التساؤل مجددا حول وضعية الطفل المغربي، خاصة في ظل ما تكشفه الأرقام من واقع مقلق، رغم تعدد المبادرات السياسية والقانونية التي التزمت بها المملكة.
التزام سياسي واضح.
منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة، شهدت قضايا الطفولة في المغرب اهتماما واضحا، تُرجم من خلال الحضور الملكي في فعاليات دولية كبرى، من بينها الدورة الاستثنائية الـ27 للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة للطفل سنة 2002، والتي أُعلن خلالها عن خطة العمل العالمية “عالم جدير بأطفاله”. وقد تُوج هذا التوجه بإطلاق الخطة الوطنية “مغرب جدير بأطفاله 2006-2015″، وتأكيد جلالته في عدة خطب ورسائل ملكية على مركزية النهوض بالطفولة.
جهود تشريعية.. غير كافية
من ناحية أخرى، عمل المغرب على إعداد مدونة شاملة للطفولة، تسعى إلى توحيد القوانين المرتبطة بحقوق الطفل، مع مراعاة مقتضيات الدستور واتفاقية الأمم المتحدة. كما صادق على البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل، والذي يسمح للأطفال ضحايا الانتهاكات بتقديم شكاياتهم للجنة الدولية.
وفي السياق ذاته، تم تعديل قانون الأسرة بإلغاء الإذن بتزويج الأطفال، رغم استمرار هذه الممارسة على أرض الواقع، لا سيما في صفوف الفتيات القاصرات. إلى جانب ذلك، تم اقتراح مراجعة عدد من المصطلحات القانونية ذات الصبغة التمييزية، وتعزيز مبدأ المصلحة الفضلى للطفل.
أرقام صادمة… وواقع مؤلم
لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، ما زالت المعطيات الميدانية تكشف عن فجوة كبيرة بين القوانين والتطبيق الفعلي. إذ تفيد إحصاءات غير رسمية بوجود أكثر من 30 ألف طفل يعيشون في الشارع، ببنما يقدر عدد الأطفال المولودين دون هوية أب بنحو 100 ألف طفل، وفق المركز المغربي لحقوق الإنسان. هؤلاء الأطفال يُصنّفون بوصفهم “مشروع أطفال شوارع”، ما لم تتدخل الدولة عبر آليات حماية فعالة.
وما يزيد الوضع تعقيدا، أن ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع تتشابك مع قضايا متعددة: من التسول والاستغلال الاقتصادي، إلى العنف الجنسي وغياب الرعاية الاجتماعية. فقد أظهرت لقاءات ميدانية أن الفئة العمرية الأكثر تواجدا في الشارع تتراوح بين 21 و29 سنة، بينما يُستغل الأطفال الأصغر سنا في أنشطة هامشية كالتسول، غالبا على يد راشدين.
تحديات مستمرة… وحلول مؤجلة
رغم تنصيص دستور 2011 على ضرورة إنشاء المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، فإن تفعيله الفعلي لا يزال يراوح مكانه، وهو ما يعد تراجعا في مجال تتبع وضعية الأطفال ومراقبة السياسات العمومية ذات الصلة.
إضافة إلى ذلك، تظل خدمات المؤسسات العاملة مع الأطفال، لا سيما ضحايا الاعتداءات الجنسية، دون المستوى المطلوب من حيث الجودة والتأطير، في غياب قاعدة بيانات وطنية قادرة على تتبع وضعية الأطفال داخل وخارج المؤسسات.
بالرغم من مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، الذي يتيح للأطفال إمكانية تقديم شكايات فردية إلى اللجنة الأممية المختصة في حال انتهاك حقوقهم، إلا أن فعالية هذا الإجراء تبقى محدودة على أرض الواقع، لعدة اعتبارات.
فالطفل، وبفعل هشاشته النفسية والمعرفية، لا يمتلك في الغالب الوعي الكافي بحقوقه ولا بالمساطر القانونية الكفيلة بإنصافه. كما أن المعرفة بوجود هذا البروتوكول وبإمكانية تقديم الشكايات تظل منعدمة لدى فئات واسعة من الأطفال، بل وحتى لدى أسرهم ومحيطهم الاجتماعي
فبدلا من التركيز على “الصور النموذجية” في التقارير الدولية، يجب أن تعكس السياسات العمومية واقع الفقر، الهشاشة، والأمية التي تساهم في إنتاج بيئة حاضنة لانتهاك حقوق الطفل.
في اليوم العالمي للطفل، لا بد أن يتجاوز النقاش البعد الاحتفالي، ليتحول إلى محاسبة سياسية وقانونية واجتماعية. لأن الأطفال ليسوا فقط “رأسمال المستقبل”، بل هم مواطنون اليوم، يملكون حقوقا يجب أن تُصان.





