أمين السعيد: المغرب يراكم الإصلاحات ويراهن على العدالة المجالية لتصحيح اختلالات التنمية

حسين العياشي
أكد الدكتور أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في قراءة معمقة لخطاب العرش الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على العرش، أن هذا الخطاب جاء امتدادًا لمسار إصلاحي طويل بدأه المغرب منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وخصوصًا مع فتح ورش هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 1991، التي اعتبرها ورشًا شجاعًا قطع مع ممارسات الماضي وانفتح على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ويرى السعيد، أن هذه البداية كانت مقدمة لسلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي طالت مختلف المجالات، أبرزها مدونة الأسرة ومدونة الشغل، فضلًا عن الالتزام الدقيق باحترام المواعيد الدستورية للانتخابات، وهو ما منح البلاد استقرارًا سياسيًا نادرًا في المنطقة، وأسهم في تعزيز جاذبية المملكة لدى المستثمرين، خاصة الأوروبيين، وجعل من المغرب نموذجًا يُحتذى به إقليميًا من طرف دول مثل الكويت، الأردن والبحرين.
وفي هذا السياق، أبرز الدكتور أن المغرب حقق قفزة نوعية على مستوى مؤشراته الاقتصادية؛ فبينما لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي سنة 1999 سقف 42 مليار دولار، أصبح اليوم يتجاوز 153 مليار دولار، بفضل تنوع النسيج الاقتصادي الوطني الذي لا يعتمد على الثروات الريعية فقط، بل على قطاعات حيوية مثل الفلاحة، الصناعة والسياحة، دون أن نغفل مساهمة مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني.
كما أشار الأستاذ الجامعي إلى أن المغرب أصبح ثاني مستثمر في إفريقيا، واحتل المرتبة السادسة بين الاقتصادات الناشئة في القارة، بعد أن كان في المرتبة 15 سنة 1999، في حين لا تزال مشاريع البنية التحتية المفتوحة حاليًا تمثل رافعة مستقبلية لمزيد من التموقع الاستراتيجي.
أما على المستوى الاجتماعي، فرغم المبادرات الملكية المهمة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن المتحدث يعتبر أن التحديات البنيوية ما تزال قائمة، خاصة في ما يتعلق بارتفاع معدلي الفقر والهشاشة، وغياب العدالة المجالية، وهو ما يعيدنا إلى ما عبّر عنه جلالة الملك في خطبه المتتالية، بكون المغرب يسير بسرعتين.
وفي تشخيصه لهذا الواقع، يحدد السعيد ثلاث مستويات أساسية للاختلال الاجتماعي:
أولا: العدالة المجالية، التي تخلق مغربين اثنين، أحدهما يستفيد من مشاريع التنمية والآخر يعاني من الإقصاء والتهميش.
ثانيا: عدم شمولية برامج التنمية، حيث لا تصل ثمار المشاريع الكبرى إلى جميع الفئات الاجتماعية والمجالات الترابية.
ثالثا: ضعف آليات التوزيع العادل، سواء على مستوى الجهات أو الجماعات المحلية.
ولمعالجة هذه الإشكالات، يقترح السعيد، مراجعة القانون التنظيمي للجهات والتنصيص على الزامية توزيع الميزانية بعدل بين الجماعات، والحد من استحواد جماعية معية على النصف الاكبر من الميزانية المخصصة للجهة. كما أكد على تفعيل ما سماه “قانون المالية التمييزي الإيجابي” لفائدة الجهات المهمشة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة هيكلة الصندوق التضامني بين الجماعات، ليتمكن من دعم تلك التي تعاني من ضعف الإمكانيات رغم كثافة مطالبها.
وختم الدكتور أمين السعيد تحليله بالتأكيد على أن نجاح المغرب في رهانات التنمية العادلة يمر عبر تفكيك منظومة التفاوتات المجالية والاجتماعية، وهو ما يستدعي تفعيلًا صارمًا للمضامين الواردة في خطاب العرش، من طرف الحكومة والبرلمان، بروح المسؤولية والابتكار التشريعي والمؤسساتي.