أخنوش بين تجديد الدماء وحرب الأعيان: خطة السيطرة على انتخابات 2026

حسين العياشي

بدأ عزيز أخنوش في شحذ أسلحته السياسية استعدادًا لانتخابات 2026، معركة يراها كثيرون الأهم في مسيرته، ليس لأنها قد تحدد مصير ولايته الثانية فحسب، بل لأنها تأتي على أعتاب حدث تاريخي بحجم تنظيم كأس العالم 2030. في كواليس الحزب، تُرسم الخطط وتُعقد التحالفات في سباق محموم للسيطرة على المشهد، حيث يختلط الطموح الشخصي بحسابات النفوذ، وتتحول الساحة السياسية إلى رقعة شطرنج يتقدم فيها الأعيان والوجوه الصاعدة بخطوات محسوبة نحو لحظة الحسم.

منذ يونيو الماضي، شكّل الحزب خلية انتخابية تحت إشراف رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، تضم شبابًا حزبيين، ووجوهًا تكنوقراطية، وخبراء في الاتصال السياسي. هذه الخلية تشتغل على خطة هجومية مزدوجة: إبراز حصيلة الحكومة في ملفات الحماية الاجتماعية، والانتعاش الاقتصادي، والتعليم، ودعم المقاولات الصغرى، والاستثمار الترابي، مع تفصيل الرسائل والخطاب حسب الخصوصيات الجهوية عبر “توطين” النتائج في مناطق محورية مثل الدار البيضاء، فاس، وجدة، والعيون.

إلى جانب ذلك، يراهن التجمع الوطني للأحرار على تجديد النخب، بحيث سيضم ثلث مرشحيه المحتملين شخصيات أقل من 40 سنة، في استجابة مباشرة لدعوة الملك محمد السادس إلى تجديد النخبة السياسية. وأفادت مصادر مطلعة، أن الحزب أطلق دورات تكوينية داخلية لإعداد هذه الأسماء، مع إعطاء أهمية خاصة للشباب والنساء، لفك عقدة العزوف الانتخابي في الأوساط القروية، التي كان لها وقع كبير على نتائج 2021، وكذا الانتخابات الجزئية التي شهدتها هذه الولاية.

لكن خلف هذا البناء التنظيمي المنضبط، يتحرك “كوماندو” سياسي من الأسماء ذات النفوذ الميداني المتجذر: المخضرمون مثل محمد أوجار في جهة الشرق، الذي يحيك “السيناريوهات” من خلال اجتماعاته المغلقة، في يخت وسط البحر، إضافة إلى رشيد الطالبي العلمي في الشمال، ومحمد بوسعيد في الدار البيضاء؛ الصناعيون مثل محمد سعد برادة، صديق أخنوش ووزير التعليم، ومحمد كباج، رجل الأعمال المراكشي؛ وحماة القاعدة الانتخابية في سوس–ماسة مثل عبد الله غازي وكريم أشنكلي.

وفي واجهة الاتصال، تبرز إشرَاق مبصوط، المستشارة الإعلامية المخلصة، وياسين عوكاشا، الذي يصفه البعض بـ”نسخة شابة” من أخنوش، فيما تتولى وجوه شبابية مثل مصطفى بايتاس، ولحسن السعدي، وياسمين لمرحوَر ضخ الحيوية في صفوف الحزب.

غير أن المشهد ليس بلا شوائب، فبحسب تسريبات من داخل الحزب، يشعر عدد من البرلمانيين ورؤساء الجماعات الذين التحقوا بـ”حزب الحمامة” قبيل انتخابات 2021، أنهم استُعملوا لتحقيق النصر الانتخابي قبل أن يُركَنوا على الهامش. بعضهم بدأ بالفعل في طرق أبواب حزب الأصالة والمعاصرة أو حزب الاستقلال، وهما شريكان حاليان في الحكومة، لكنهما قد يتحولان إلى خصمين مباشرين في موعد 2026.

وفي خضم هذه التحركات، فجّر أحد المنتخبين البارزين داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، مفاجأة مدوية في تصريح لـ”إعلام تيفي”، حين اعتبر أن أكبر خطأ ارتكبه في مسيرته السياسية هو ترشحه باسم “حزب الحمامة”، معلنًا عزمه اعتزال السياسة نهائيًا بسبب هذا الاختيار.

المنتخب الغاضب أكد أن الحزب تخلّى عن ممثليه طيلة الولاية الحالية، وأن الشعارات البراقة التي رفعها خلال الحملة الانتخابية، وقبلها في محطات “100 يوم 100 مدينة”، لم يتحقق منها شيء، خاصة في دائرته الانتخابية. وأضاف أن الصراعات الداخلية استنزفت الزمن السياسي، وأثرت سلبًا على مردودية الحزب في التدبير العمومي، وأن محاولات أخنوش المتكررة لإخماد هذه الخلافات لم تُجدِ نفعًا، بل زادت من حدة الانقسامات الداخلية التي وإن بقيت بعيدة عن أعين الرأي العام، فإن انعكاساتها على تسيير شؤون عدد من المجالس المنتخبة باتت جلية.

هذا النزيف، وإن بدا محدودًا في الظاهر، يضع أخنوش أمام تحدٍّ مزدوج: أولًا، إيقاف تسرّب الأعيان المؤثرين الذين يشكلون ركائز النفوذ في المعاقل الانتخابية، وثانيًا، إعادة ضبط إيقاع الشبكات المحلية التي تُعد العمود الفقري لأي حملة ناجحة. تحدٍّ يأتي في ظرفية اجتماعية واقتصادية خانقة، حيث يشتد ضغط الأجندة الانتخابية، بسبب غلاء المعيشة وتعمّق فجوة الثقة بين المواطن والنخبة السياسية.

ويرى مراقبون، أن معركة 2026 لن تُحسم فقط في كواليس الحزب أو عبر المنصات الرقمية، بل في عمق الميدان، بين الأزقة والأسواق والمداشر، حيث يتقاطع خطاب التنمية والاستمرارية مع صراع الولاءات والنفوذ المحلي. هناك سيُختبر أخنوش، ليس بصفته رجل أعمال أو تكنوقراطًا ناجحًا، بل كسياسي قادر على إدارة معركة انتخابية شاقة، تُراهن على مزيج من الخبرة المجرّبة والطاقة الصاعدة. ويبقى السؤال مفتوحًا حتى اللحظة الأخيرة: هل ستكفي هذه الخلطة السياسية لتجاوز إرث الحصيلة المتعثرة وفتح الطريق نحو ولاية ثانية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى