
حسين العياشي
تسابق الحكومة الزمن لتمرير ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية (EEP)، مقدمة إياه كخطوة استراتيجية لترشيد النفقات وتعزيز الحكامة. غير أن المتتبعين يرون في هذا المشروع وجهاً آخر لسياسة تقشفية قد تُفرغ هذه المؤسسات من أدوارها الاجتماعية، وتحوّلها إلى مجرد هياكل ربحية تُدار بمنطق شركات خاصة.
رغم الخطاب الرسمي الذي يعد بـ”تحسين المردودية” و”ترشيد المهام”، فإن التجارب السابقة تكشف أن هذه المؤسسات ظلت رهينة سوء التسيير وتضارب المصالح وضعف المحاسبة. تقارير البنك الدولي نفسها أكدت لسنوات أن القطاع العمومي يعاني من هشاشة الحوكمة وتشتت المسؤوليات، وهو ما جعلها تتحول إلى عبء مزمن على ميزانية الدولة بدل أن تكون رافعة للتنمية.
وبينما تتحدث الحكومة عن دمج كيانات وإلغاء أخرى، يتساءل المراقبون: هل نحن فعلاً أمام إصلاح حقيقي، أم أمام عملية تصفية تدريجية تخدم منطق الخوصصة أكثر مما تخدم المصلحة العامة؟
الهاجس الأكبر يبقى اجتماعياً. النقابات تحذر من أن “إصلاح المؤسسات العمومية” قد يعني عملياً تسريح آلاف المستخدمين وتقليص الخدمات، خصوصاً في المناطق التي تعاني أصلاً من ضعف العرض العمومي. وحتى الآن، لم تقدم الحكومة سوى وعود غامضة بخصوص “خطط إعادة التأهيل والتنقل الوظيفي”، وعود تبقى في نظر كثيرين مجرد مسكنات ظرفية لتفادي الاحتقان الاجتماعي، أكثر مما هي التزام فعلي بحماية حقوق الشغيلة.
المثير أن الحكومة تتحدث عن “عقلنة الاستثمار” و”تركيز المؤسسات على أدوارها الاستراتيجية”، في وقت تكشف فيه الأرقام أن هذه الكيانات ابتلعت لعقود ملايير الدراهم دون مردودية، فيما بقي المواطن العادي يواجه خصاصاً فاضحاً في المستشفيات والمدارس وخدمات النقل.
فهل يتعلق الأمر بإعادة بناء قطاع عمومي فعّال يخدم التنمية؟ أم أننا أمام نموذج جديد للدولة “المقاولة”، حيث تصبح الربحية أهم من الخدمة العمومية؟
في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يملك المغرب فعلاً الإرادة السياسية لإصلاح عميق يقطع مع عقود من الزبونية والهدر، أم أن هذا الورش ليس سوى خطوة أخرى في مسار تقليص دور الدولة وفتح الباب أمام مزيد من الخوصصة المقنّعة؟





