فيدرالية اليسار تفتح الباب أمام اقتراحات المغاربة بشأن التعديلات الانتخابية

حسين العياشي
منحت وزارة الداخلية للأحزاب السياسية مهلة تنتهي مع نهاية شهر غشت، لإيداع مقترحاتها بخصوص إصلاح القوانين الانتخابية تمهيداً لاستحقاقات 2026. ورغم حساسية هذا الورش وأثره المباشر على المستقبل الديمقراطي للبلاد، يرى المتتبعين للشأن العام، أن الأيام مرّت في صمت شبه مطلق: لا أحزاب بادرت إلى إشراك المواطنين في النقاش، ولا ندوات أو لقاءات مفتوحة نُظمت. وكأننا أمام سرّ من أسرار الدولة، في حين أن الأمر يتعلق بقواعد المنظومة الانتخابية التي تحدد مصير المشاركة السياسية برمّتها.
وسط هذا الفراغ، برزت مبادرة فيدرالية اليسار الديمقراطي كاستثناء لافت. فقد اختارت الانفتاح على المواطنات والمواطنين عبر إطلاق منصة رقمية خاصة، تتيح لهم تقديم اقتراحاتهم بشكل مباشر، مع إمكانية الاطلاع على مختلف المساهمات وفتح نقاش حول تفاصيلها. وحددت الفيدرالية تاريخ 24 غشت كآخر أجل للتفاعل، في خطوة تعكس حرصها على إشراك الرأي العام قبل صياغة مذكرتها الرسمية التي سترفعها للجهات المختصة.
الحزب يرى أن الانتخابات، التي يُفترض أن تكون أداة للتغيير، تحولت في السنوات الأخيرة إلى مؤسسات عاجزة بسبب الفساد والتلاعب، وهو ما فاقم منسوب العزوف والإحباط لدى المواطنين. غير أن الاكتفاء بالانسحاب، حسب الحزب، لا يخدم سوى المفسدين، بل يسهّل لهم السيطرة على إرادة الناس. ومن هنا جاءت المبادرة: محاولة لإعادة الثقة عبر جعل المواطنين شركاء في بناء قواعد اللعبة، لا مجرد متفرجين أو أرقام يوم التصويت.
قيمة هذه الخطوة تكمن في فتح النقاش على قضايا دقيقة طالما بقيت حكراً على دوائر ضيقة: من نظام الاقتراع والعتبة الانتخابية، إلى شفافية اللوائح، وتمويل الحملات، وضبط الإنفاق، وضمان تكافؤ الفرص بين الأحزاب، فضلاً عن سبل تعزيز حضور النساء والشباب والجالية المغربية بالخارج. إنها تفاصيل تقنية، لكنها في جوهرها ما يصنع الفرق بين انتخابات شكلية وديمقراطية فعلية.
مبادرة فيدرالية اليسار الديمقراطي لا تعكس فقط سبْقاً تنظيمياً، بل تضع بقية الأحزاب أمام امتحان حقيقي: هل تكتفي هذه الأخيرة بمذكرات تُكتب في المكاتب وتُسلَّم في صمت، أم تعطي للنقاش العمومي مكانته وتعيد الاعتبار لدور المواطن؟
الرسالة الأعمق التي تحملها التجربة، أن الديمقراطية لا تُبنى في يوم التصويت فحسب، بل تبدأ قبل ذلك بلحظة صياغة قواعد اللعبة. وقد وضعت الفيدرالية المفتاح على الطاولة، وفتحت باب المشاركة أمام الجميع، تاركة السؤال معلّقاً: هل تلتقط بقية الأحزاب الإشارة، أم يظل الإصلاح ملفاً مغلقاً يُدار بعيداً عن الناس الذين يُفترض أنهم أصحابه الشرعيون؟





