بين دينامية التشييد وضغط المرور.. معضلة الشاحنات في قلب المدن الكبرى

بشرى عطوشي 

تشهد كبريات المدن المغربية في السنوات الأخيرة أوراشاً كبرى للبنية التحتية والتشييد، تماشياً مع الرؤية الملكية الرامية إلى تطوير الاستثمارات وتعزيز جاذبية البلاد لاحتضان تظاهرات كبرى ذات بعد وطني ودولي. هذه المشاريع الضخمة تعكس طموح المغرب في الارتقاء بمستوى مدنه وخدماتها، لكنها في المقابل تطرح تحديات واقعية على مستوى تدبير الحركة المرورية داخل المجال الحضري.

فبالتوازي مع انطلاقة هذه الأوراش، تزداد الحاجة إلى معدات ضخمة وشاحنات كبيرة مخصصة لنقل مواد البناء والعتاد اللازم، وهو ما يفرض على هذه المركبات المرور عبر شوارع رئيسية وأحياناً فرعية ضيقة في قلب المدن. النتيجة كانت واضحة: حوادث مميتة في بعض الحالات، مضايقات لمستعملي السيارات الخفيفة، وتعطيل شبه دائم لانسيابية السير في أهم التقاطعات الطرقية.

هذا الوضع يضع المصالح المكلفة أمام اختبار حقيقي. فوزارة التجهيز والنقل مطالبة بتنسيق أفضل لمسارات الشاحنات، فيما تضطلع المصالح الأمنية بمسؤولية تنظيم السير والجولان والتدخل الميداني عند الحاجة. أما وزارة الداخلية، فيبقى على عاتقها ضبط العلاقة بين الورش والمدينة، من خلال إلزام الشركات المشرفة على الأشغال ببرامج دقيقة لحركة النقل المرتبطة بالأوراش.

الحلول العملية لا تبدو بعيدة المنال، لكنها تتطلب إرادة قوية وتنسيقاً محكماً، كوضع يافطات واضحة لا تقتصر على الاعتذار عن الإزعاج، بل تتضمن توعية وتحذيراً صريحاً من مخاطر مرور الشاحنات وسط السيارات الخفيفة. كما أن تحديد أوقات معينة لعبور هذه المركبات، مع أولوية العمل في الساعات الليلية حيث تقل الحركة، من شأنه أن يخفف بشكل كبير من الضغط على شبكة الطرق.

إن المغرب وهو يخوض غمار هذه الدينامية العمرانية الطموحة، مدعو إلى التفكير في محيط الورش كما في الورش ذاته. فنجاح البنية التحتية لا يقاس فقط بجودة الأشغال النهائية، وإنما أيضاً بمدى احترامها لحياة الناس اليومية وسلامة المواطنين، وهو رهان لا يقل أهمية عن رهان الاستثمار والتشييد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى