رواية “Antigone”.. حين تتحول المدرسة إلى بوابة غير مرئية لتطبيع الشذوذ

حسين العياشي

اهتزت الساحة الاجتماعية بالمغرب على وقع جريمة مروعة في منطقة عين عودة، أبٌ، كان من المفترض أن يكون حاميًا ومربيًا، انقلب على كل القيم، فارتكب جريمة بحق ابنته، وأسفرت عن ولادة ستة أطفال. خبر هكذا يثير الرعب والصدمة، ليس فقط لفرادته، بل لأنه يفتح نافذة على عمق الأزمات الاجتماعية والأخلاقية التي ربما تتربّى عليها الأجيال منذ الصغر.

الباحثون في علم الاجتماع والتربية، يؤكدون أن مثل هذه المآسي لا تنشأ في فراغ، بل هي نتاج تراكم خلل ثقافي وتربوي. المدرسة، التي يفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للتلميذ، قد تتحول أحيانًا إلى مساحة تمرّر من خلالها صور أو نصوص تحمل رموزًا شاذة دون سياق نقدي يوضح خطورتها.

من الأمثلة البارزة على ذلك، رواية “أنتيغون Antigone” التي تُدرَّس لتلاميذ السنة الأولى باكالوريا، والتي تستند في جوهرها إلى أسطورة “أوديب”، حيث عاش بطلها علاقة محرمة مع والدته. الباحثون في الأدب والتربية يرون أن إدراج نصوص بهذا الوزن الأخلاقي في سن حساس، حين يكون عقل التلميذ في أوج التركيز والانتباه، قد يترك أثرًا في اللاوعي، على شكل صورة أو رمز ينتظر تراكم محفزات أخرى كي تعود للظهور، وقد تترجم أحيانا الى أفعال. صحيح أن التلميذ قد لا ينتبه للتفاصيل لحظة القراءة، لكنه لا يستطيع منع اختراقها لعقله الباطن، لتتراكم مع رسائل مماثلة تصل عبر الإعلام والثقافة الشعبية.

هنا تتداخل الأخطار عندما تلتقي المدرسة مع التلفاز والشاشات الرقمية، حيث تتحول رموز الانحراف إلى مادة للترفيه الجماهيري. يكفي أن نستحضر أشهر مسلسل في العالم “Game of Thrones”، الذي يعرض علاقات محرمة بجرأة كبيرة أمام ملايين المشاهدين، أغلبهم مراهقين، لندرك كيف يمكن أن تتقاطع هذه الرسائل مع ما يُدرَّس في المدرسة، فيصبح تطبيع الانحراف عملية بطيئة لكنها عميقة في جوهرها، تصنع لدى الجيل القادم صورة مشوشة عن الحدود الأخلاقية.

الباحثون يؤكدون، أن الحل لا يكمن في مصادرة الأدب أو منع التلاميذ من الاطلاع على الثقافة العالمية، فهذا خيار مستحيل في عصر الانفتاح. المطلوب هو سياق نقدي تربوي يرافق النصوص الأدبية، يوضح الانحراف ويعكس حجم المخاطر الاجتماعية والنفسية، بحيث يصبح التلميذ قادرًا على الفصل بين القيمة الأدبية والرسالة الأخلاقية، لا أن يمر النص كقصة بريئة على العقل فيضع بذور الشذوذ في لاوعيه.

كما يشدد الباحثون على أن واقعة عين عودة يجب أن تُقرأ كجَرَس إنذار على مستوى أوسع. الجريمة لم تكن مجرد فعل فردي، بل انعكاس لمنظومة تربوية وثقافية قد تكون ساهمت، عن قصد أو عن غفلة، في تهشيم الحواجز النفسية والأخلاقية للأجيال الصاعدة. في هذا السياق، السؤال الجوهري الذي يطرحه المجتمع اليوم: هل نريد أن ننتج أجيالًا تقبل المحرمات وتعتبرها مجرد رموز أدبية أو درامية، بدل أن تكون حصنًا للقيم والمبادئ؟

في النهاية، تبدو الحاجة ملحة لمراجعة طرق التدريس والنصوص المدرسية، وإدراج برامج تربوية نقدية تساهم في حماية الشباب من الانحراف، بحيث تبقى المدرسة مكانًا للبناء المعرفي والأخلاقي معًا، لا مصنعًا غير مقصود لطباعة الانحراف في أذهان الأجيال القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى