المغرب والفحم الروسي.. استراتيجية الطاقة بين الواقعية والسياسة متعددة الأطراف

حسين العياشي
منذ سنوات، يتبوأ المغرب موقعًا فاعلًا في المشهد الإقليمي، معتمدًا على تنويع شراكاته الاقتصادية والدبلوماسية. الإعلان الأخير لفياتشيسلاف تيمتشينكو، النائب الأول لوزير الصناعة والطاقة في منطقة روستوف الروسية، يكشف عن دينامية المغرب الجديدة. رغم العقوبات الغربية، تمكنت شركات الفحم الروسية من إيجاد أسواق بديلة في شمال إفريقيا، لا سيما في المغرب ومصر والجزائر.
خلف هذا التحول التجاري منطق عميق، يكشف عن استراتيجية مغربية راسخة، الرباط، الملتزمة بخطها التاريخي في الدفاع عن الوحدة الوطنية والسيادة، تتبنى نموذجًا اقتصاديًا متعدد الأطراف، قائمًا على المصالح الوطنية بعيدًا عن أي انحياز أيديولوجي.
الأرقام الروسية صادمة، أكثر من 650 ألف طن من الفحم المصدر من روستوف خلال النصف الأول من 2025، وهو حجم يوازي صادرات العام الماضي رغم القيود الأوروبية. جزء مهم من هذه الشحنات استقر في شمال إفريقيا، ليتيح للمغرب تعزيز أمنه الطاقي عبر تنويع الموردين. فالفحم، رغم الانتقال الطاقي الجاري، لا يزال عنصرًا أساسيًا في توليد الكهرباء، خصوصًا في بعض المحطات الحرارية.
المغرب يطبق سياسة خارجية متوازنة منذ الاستقلال، مبنية على حماية مصالحه الوطنية وتجنب الانحياز الأيديولوجي. بينما تسعى بعض الدول الغربية لعزل روسيا، يواصل المغرب الحفاظ على علاقاته مع موسكو من دون المساس بشراكاته الأوروبية والأمريكية، معتمدًا على ما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية التكامل”، حيث يُستثمر كل شريك بما يخدم المصلحة الوطنية. الفحم الروسي، المتاح بأسعار منافسة، يتيح استمرارية التموين في انتظار بلوغ قدرات الطاقة المتجددة ما يكفي لتغطية الطلب المتزايد.
الاختيار المغربي ليس مجرد خطوة وطنية، بل رسالة إفريقية: الرباط تراهن على تنمية شراكات جنوب-جنوب، وتقديم نموذج قادر على التفاعل مع القوى العالمية المختلفة دون تبعية لأي طرف. المغرب بهذا النهج يعيد تعريف قواعد اللعبة الاقتصادية في إفريقيا، عبر مبدأ الاستقلالية والانفتاح على شركاء متعددين، مع البحث عن منافع ملموسة للتنمية.
وفي الوقت نفسه، لم يتخل المغرب عن التزاماته الطاقية الخضراء. مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية والرياح، مثل “نور” في ورزازات ومبادرات في طرفاية، تهدف إلى جعل المملكة رائدة في الطاقة المتجددة. لكن الانتقال الكامل يحتاج إلى زمن، واحتياجات الكهرباء الحالية، التي تتزايد مع النمو السكاني والصناعي، تجعل الفحم ضرورة مرحلية لتأمين الاستقرار المالي والطاقي المطلوب لإنجاح هذه الاستراتيجية.
المغرب بهذه الخطوات، يقدم درسًا للقارة الإفريقية في الدبلوماسية الاقتصادية الواقعية. التعاون مع روسيا لا يعني الانحياز، بل حماية المصالح الوطنية. الرباط توازن بين الشرق والغرب، وتثبت أن المستقبل للأمم التي تختار الاستقلالية والمرونة، لا للتي تحاصر نفسها في صراعات الآخرين.