خلافات الاستقلال والأحرار.. الزراعة وقانون المالية 2026 يربكان تماسك الأغلبية

حسين العياشي
وجه حزب الاستقلال انتقادات حادة إلى شريكه الأساسي، حزب التجمع الوطني للأحرار، سواء في تدبير القطاع الفلاحي أو في الخيارات الكبرى المرتبطة بمشروع قانون مالية 2026. الأمر الذي لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين، حين وُقِّع ميثاق الأغلبية الحكومية عقب انتخابات 2021، حيث كان الهدف المعلن هو بناء تحالف صلب يضمن الاستقرار السياسي والفعالية في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. غير أن ما يجري اليوم بين مكونات التحالف الأغلبي، يكشف أن الاستقرار لم يكن سوى واجهة هشة، وأن التحالفات في المغرب تظل في جوهرها ترتيبات تكتيكية أكثر منها مشاريع استراتيجية.
فانتقادات الاستقلال لتدبير الأحرار للقطاع الفلاحي، وما رافقها من اتهامات بـ”سوء توزيع الدعم” و”إقصاء صغار الفلاحين”، لم تعد مجرد سجال تقني، بل تحولت إلى رسالة سياسية مباشرة مفادها أن الحزب لم يعد يقبل بدور الشريك الصامت. وجاءت مذكرة رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين بشأن مشروع قانون مالية 2026 لتؤكد هذا التحول، إذ قدم الحزب تصوراً بديلاً أولوياته تختلف جذرياً عن الخيارات التي يدافع عنها رئيس الحكومة ووزير ماليته.
بهذا المعنى، لم يعد الخلاف مقتصراً على تفاصيل قطاعية أو تدبيرية، بل أصبح تعبيراً عن صراع مواقع داخل الأغلبية نفسها: الأحرار يسعون لتكريس صورة الحزب القائد ذي الشرعية الشعبية، فيما يطمح الاستقلال إلى إعادة التموضع كفاعل اجتماعي واقتصادي بديل، تحسباً لأي اهتزاز في موازين القوى المقبلة.
ما يزيد المشهد تعقيداً أن التحالف، الذي رُوّج له كضمانة للاستقرار، بدأ يتآكل من الداخل بسبب منطق المنافسة الانتخابية المبكرة. فحادثة الدراجات النارية المحجوزة، التي استثمرها رئيس الحكومة كـ”انتصار شخصي”، أظهرت هشاشة مبدأ “العمل الجماعي” داخل الأغلبية، وأعطت الانطباع بأن كل حزب بات يشتغل لحسابه الخاص.
في العمق، تكشف هذه التطورات أن الأغلبية الحالية تعاني من تناقض بنيوي: فهي قائمة على تحالف حزبي وُلد من حسابات انتخابية ظرفية، دون أرضية سياسية أو إيديولوجية مشتركة. ولذلك، فإن أي خلاف حول قطاع حيوي كالزراعة، أو ملف استراتيجي كقانون المالية، سرعان ما يتحول إلى جرس إنذار يعكس طبيعة هذا البناء الهش.
السؤال المطروح اليوم: هل يستطيع التحالف أن يستمر حتى نهاية الولاية بنفس التركيبة والروح؟ أم أننا أمام مقدمات إعادة رسم الخريطة السياسية، حيث يتحول الشركاء إلى خصوم، ويُفتح الباب أمام تحالفات جديدة؟
مهما يكن الجواب، فإن المؤكد أن تجربة هذه الأغلبية تبرهن مرة أخرى على أن السياسة في المغرب لا تُبنى على الرؤية المشتركة، بل على توازنات ظرفية قابلة للتصدع عند أول منعطف.





