بين الخطاب السياسي والحصيلة الرقمية: قراءة نقدية في لقاء رئيس الحكومة عزيز اخنوش

بقلم : رشيد الساري رئيس المركز الافريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة
في مساء 10 شتنبر، اختار رئيس الحكومة المغربية، السيد عزيز أخنوش، أن يطل على الرأي العام عبر القنوات العمومية، مستعرضاً حصيلة أربع سنوات من العمل الحكومي، ومحدداً أولويات السنة الأخيرة قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. اللقاء، وإن حمل نبرة تفاؤلية، أثار تساؤلات جوهرية حول منهجية التواصل السياسي، دقة الأرقام، وفعالية السياسات القطاعية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه البلاد.
غياب الأرقام في ملف الحوز: هل هو خلل في التواصل أم خيار استراتيجي؟
من أبرز ما أثار الانتباه في اللقاء، هو تناول ملف إعادة إعمار منطقة الحوز دون تقديم حصيلة رقمية دقيقة. ففي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة عن تدخلات واسعة، لم تُذكر أرقام المستفيدين، حجم الاستثمارات، أو نسب الإنجاز. المفارقة أن اجتماع اللجنة البين وزارية المنعقد في نفس اليوم كشف عن تخصيص 6.9 مليار درهم، واستفادة أكثر من 51 ألف أسرة من الدعم المباشر.
هذا التباين يطرح إشكالية في التواصل الحكومي: هل يُراد للخطاب السياسي أن يبقى عاماً وعاطفياً، بينما تُترك التفاصيل للأجندات التقنية؟ أم أن هناك تردداً في كشف الأرقام خشية من المقارنة أو النقد؟ في كلتا الحالتين، يغيب عن المواطن والمحلل الاقتصادي أداة التقييم الموضوعي.
استيراد بـ10 مليار درهم في ظل مخطط المغرب الأخضر: مفارقة بنيوية
منذ إطلاقه سنة 2008، رُوج لمخطط المغرب الأخضر باعتباره رافعة لتحقيق الأمن الغذائي، رفع الإنتاج، وتحديث الفلاحة المغربية. ومع ذلك، تشير المعطيات الأخيرة إلى أن المغرب استورد منتجات فلاحية بقيمة تفوق 10 مليار درهم، تشمل الحبوب، اللحوم، وحتى بعض الخضر الأساسية.
هذا الواقع يطرح سؤالاً جوهرياً: هل المخطط فشل في تحقيق الاكتفاء الذاتي؟ أم أن بنيته كانت قائمة على دعم الفلاحة التصديرية أكثر من الفلاحة الغذائية؟ في الحالتين، يبدو أن هناك فجوة بين الأهداف المعلنة والنتائج المحققة، وهو ما يستدعي مراجعة عميقة للسياسات الفلاحية، خاصة في ظل التغيرات المناخية وتحديات السيادة الغذائية.
الحاجة إلى خطاب اقتصادي متكامل
اللقاء التلفزيوني، رغم أهميته السياسية، افتقر إلى الربط بين الملفات الكبرى: كيف تتقاطع إعادة إعمار الحوز مع النموذج التنموي الجديد؟ أين موقع السياسات الفلاحية ضمن رؤية الدولة للتحول الاقتصادي؟ وما مدى انسجام التدخلات القطاعية مع أهداف العدالة المجالية والاجتماعية؟
إن الخبير الاقتصادي لا يكتفي بتتبع الأرقام، بل يسائل منطق السياسات، مدى اتساقها، وفعاليتها في تحقيق الأثر المطلوب. وفي هذا السياق، يبدو أن المغرب بحاجة إلى خطاب اقتصادي جديد، يجمع بين الصراحة الرقمية، الرؤية الاستراتيجية، والقدرة على إقناع المواطن بأن الإصلاح ليس مجرد شعارات، بل مسار مؤسس علىالشفافية والمساءلة