فتاة تازة مأساة تكشف هشاشة القوانين وغياب الحماية الفعلية للنساء

ذة. قلوب فيطح
أعادت مأساة الفتاة إلى الواجهة نقاشاً قديماً وحاداً حول زواج المغتصب بمغتصبته، قضية تتجاوز فردية الحدث لتفضح هشاشة النصوص القانونية وضعف قيم العدالة والمساواة في المجتمع. هذا النقاش لم يكن جديداً، فقد انفجر جدلاً واسعاً عام 2012 بعد مأساة أمينة من العرائش، التي أثارت حملة مجتمعية شاملة أسفرت عن تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي، لتجنب استغلال الزواج كوسيلة لإفلات الجاني من العقاب.
قبل تعديل القانون، كان الفصل 475 يتيح للجاني الإفلات من المتابعة القضائية إذا تزوج من الضحية، وهو نص كان يشرعن لانتهاك حقوق الفتاة باسم الحفاظ على “السمعة” أو تجنب “الفضيحة”. ورغم أن النص لم يذكر الاغتصاب صراحة، إلا أن الاجتهاد القضائي وسّع نطاقه ليشمل حالات التغرير والاختطاف، لتظل الضحية سجينة في مأساة مزدوجة: اغتصاب الجسد وإسكات إرادة الإنسان.
اليوم، يظل واقع النساء والفتيات في المغرب مريراً. مأساة إيمان، التي اضطرت للزواج من مغتصبها وانتهى الأمر بمحاولة قتل، جروح عميقة وندوب لا تُمحى، ليست مجرد حادثة فردية، بل صورة صادمة لانكسار منظومة حماية حقوق النساء. هذه الندوب لم تترك أثرها على جسدها فقط، بل على المجتمع بأسره، على قيم العدالة، وعلى شعور الثقة بالقانون.
إن صرخة إيمان هي صرخة كل الفتيات اللواتي اختارن الصمت، وهي دعوة عاجلة للمشرع والمجتمع لإعادة النظر في القوانين والسياسات الجنائية، لتعزيز حماية النساء وضمان كرامتهن وحقوقهن. فقد نجحت إرادة التغيير مع أمينة قبل أكثر من عقد، واليوم دورنا أن نضمن ألا تتكرر مأساة إيمان. القانون وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بوعي اجتماعي حقيقي، بسياسات دعم اجتماعي، وحماية شاملة للنساء بعد الطلاق أو في أي وضعية تجعلهن عرضة للاستغلال.
قضية إيمان تطرح تساؤلات صادمة: كيف نستمر في السماح لقوانين قديمة بالتحايل على العدالة؟ كيف نبرر وجود ثغرات قانونية تسمح للمغتصب بأن يصبح زوج الضحية؟ الإجابة لا يمكن أن تكون إلا بإعادة صياغة النصوص القانونية بما يمنع أي تبرير زائف للاغتصاب، وبإقرار سياسات اجتماعية تعيد للمرأة كرامتها وتحميها من كل أشكال العنف.
أمس كانت أمينة، واليوم إيمان، وغداً؟ دور المجتمع، الدولة والمشرع أن يتحدوا لإيقاف هذه المآسي، قبل أن تصبح قصص الضحايا اليومية جزءاً من مأساة عامة لا مفر منها.