مهنة السنديك القضائي بالمغرب تحت مجهر الشفافية

حسين العياشي

بعد سنوات من الانتقادات التي طالتها بسبب الغموض والفراغ القانوني، تدخل مهنة السنديك القضائي بالمغرب مرحلة جديدة مع صدور المرسوم رقم 2.23.716 في الجريدة الرسمية عدد 7441، الذي حدد لأول مرة شروط ممارسة هذه المهمة الحساسة، وقواعد احتساب أتعابها، والضوابط التي تحكمها. إصلاح طال انتظاره يندرج في إطار تحديث منظومة القانون التجاري وإعادة هيكلة إجراءات معالجة صعوبات المقاولات، في ظرفية تشهد فيها العديد من الشركات المغربية هزات مالية وهيكلية عميقة.

السنديك القضائي، هذه الشخصية التي تعمل في كواليس المحاكم التجارية، يملك دوراً محورياً في تقرير مصير المقاولات المتعثرة، سواء تعلق الأمر بمحاولات الإنقاذ أو بقرارات التصفية. فهو من يتحقق من الديون، ويواكب النقاشات مع الدائنين، ويسهر على تنفيذ خطط الإنقاذ أو على بيع الأصول.

وبحكم هذا الموقع، فإن قراراته لا تؤثر فقط على المؤسسة المدينة، حسب آراء المحللين، بل تمتد انعكاساتها إلى العمال والموردين والشركاء، أي إلى شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والاجتماعية. لكن لسنوات طويلة، ظلت هذه المهمة محاطة بالضبابية، سواء في شروط الولوج إليها أو في طريقة تحديد أتعابها، وهو ما كان يثير الكثير من الجدل والاعتراضات.

اليوم، ينتظر أن يضع المرسوم الجديد حداً لهذا الغموض، عبر شروط دقيقة تفتح الباب أمام فئة محدودة من المهنيين. فالممارسة ستكون حكراً على الخبراء القضائيين المسجلين في لوائح رسمية في مجالي المحاسبة والخبرة المالية، كما يمكن لبعض موظفي العدل، خاصة كتاب الضبط من الدرجة الثانية فما فوق، تولي هذه المهمة شرط توفرهم على تجربة مهنية لا تقل عن خمس سنوات. الهدف من هذا التشديد هو ضمان أن يتولاها أشخاص متمرسون قادرون على التعامل مع تعقيدات المحاسبة والتدبير المالي وخطط إعادة الهيكلة.

أما على مستوى الأتعاب، فقد شكلت هذه النقطة قلب الإصلاح الجديد. فبعد أن كانت محط انتقاد بسبب غياب معايير واضحة، أتى المرسوم بجدول دقيق يحدد نسباً ومبالغ دنيا وعليا، سواء في حالة الإنقاذ أو التصفية. ففي مساطر الإنقاذ أو التسوية، يحصل السنديك على 2% من مجموع الديون المثبتة، مع سقف وأرضية تراعي العدالة والواقعية، بينما حددت أتعابه في مساطر التصفية بـ0.5% من العائد الصافي لبيع الأصول، مع حد أدنى يضمن له مقابلاً معقولاً. كما نص على أن جميع الأتعاب تمر عبر سلطة القاضي المنتدب الذي يحتفظ بسلطة تعديلها بحسب صعوبة الملف أو جودة العمل المنجز، ما يعزز الرقابة ويضع حداً لأي تجاوز محتمل.

الإصلاح لم يغفل كذلك مسألة المصاريف الإضافية، حيث سمح للسنديك باسترجاع ما أنفقه على التنقلات أو الخبرات أو الإعلانات القانونية، لكن بشرط أن تكون هذه المصاريف مبررة وضرورية. وفي حال إيقاف مهمته قبل الأجل، يتم احتساب الأتعاب على قدر ما أنجز، مع ضمان تعويضه عن النفقات المحققة، ما يضع حداً للنزاعات التي كانت تعطل المساطر في السابق.

بالنسبة للممارسين، يمثل هذا المرسوم خطوة فارقة. فالمحامون يرون فيه ضمانة إضافية للشفافية ولحقوق الدائنين، فيما يعتبره الخبراء الماليون تكريساً لدورهم المهني في تدبير حالات الإفلاس. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من بعض التحفظات، خاصة ما يتعلق بسقف الأتعاب الذي قد يعتبره بعض السنديكات منخفضاً مقارنة بالجهد الكبير المطلوب في الملفات المعقدة، إضافة إلى محدودية عدد المهنيين المؤهلين، وهو ما قد يخلق خصاصاً في الموارد البشرية داخل المحاكم التجارية.

ورغم هذه الملاحظات، يبقى الإصلاح الجديد جزءاً من ورش أوسع يسعى المغرب من خلاله إلى تحديث بيئة الأعمال وتعزيز جاذبية استثماراته. فبعد مراجعة الكتاب الخامس من مدونة التجارة، يأتي هذا المرسوم ليكمل المنظومة عبر تأطير مهنة السنديك القضائي، وإضفاء قدر أكبر من المصداقية واليقين على المساطر التجارية.

وعند وضع هذه الخطوة في سياق مقارن، يتضح أن المغرب يقترب من التجارب الأوروبية. ففي فرنسا، المهنة منظمة بشكل صارم عبر نظام تنافسي وتكوين طويل، وفي إسبانيا خضعت لمراجعة شاملة سنة 2020. أما في تونس، فما زال تحديد أتعاب السنديك يخضع لسلطة القاضي بشكل فردي دون وجود باريم تفصيلي. من هنا، يبدو أن المغرب باعتماده مقاربة تقوم على ثلاث ركائز: شروط ولوج مشددة، جدول أتعاب محدد، ورقابة قضائية صارمة، قد وضع لبنة أساسية لتحديث مهن القضاء التجاري وتحصين ثقة الفاعلين الاقتصاديين.

بهذا، يكون المرسوم رقم 2.23.716 قد فتح صفحة جديدة في مهنة السنديك القضائي، ناقلاً إياها من دائرة الغموض إلى مجال الشفافية والاحترافية، ومكرساً مساراً إصلاحياً يتماشى مع طموحات المغرب لبناء اقتصاد أكثر استقراراً وعدالة وجاذبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى