وزير الصحة يعترف: “الأطباء لا يهاجرون من أجل المال فقط بل بسبب كارثة البنية التحتية”

فاطمة الزهراء ايت ناصر

لم يكن تصريح وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية، مجرد جملة عابرة. حين قال إن الطبيب “حتى لو قبل بخفض أجره بنسبة 40 أو 50 في المائة، فلن يقبل بخفضه بنسبة 80 في غياب بيئة ملائمة للعمل، من تجهيزات وبنية تحتية وحكامة جيدة”، فقد وجّه اعترافاً صريحاً بأن جوهر أزمة المنظومة الصحية في المغرب لا يقتصر على الأجور، بل على انهيار البنية التحتية وضعف الحكامة.

هذا الاعتراف، على أهميته، يطرح أسئلة مُحرجة: إذا كان الوزير نفسه يُقرّ بأن المستشفيات تفتقر إلى الشروط الأساسية لممارسة المهنة، فكيف يُطلب من الطبيب أن يضحّي ويصبر؟ وكيف يُطلب من المواطن أن يثق في خدمة صحية يعتبرها المسؤول الأول عن القطاع غير صالحة لممارسة الطب؟

الخطاب الرسمي طالما ركّز على أن الحل هو تكوين مزيد من الأطباء عبر فتح معاهد وكليات جديدة. لكن الواقع أثبت أن المشكلة أعمق؛ الأطباء يغادرون ليس فقط بحثاً عن رواتب أفضل، بل لأن بيئة العمل داخل المستشفيات العمومية مُحبطة، وأحياناً كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

نقص التجهيزات، أقسام طوارئ شبه معطلة، معدات معطوبة، غياب الصيانة والأدوية الأساسية… هذه ليست استثناءات بل وقائع يومية.

حين يعترف الوزير بأن الطبيب يحتاج إلى بنية تحتية وحكامة جيدة، فهو يؤكد ما يردّده المواطن يومياً وهو ينتظر ساعات في ممرات المستشفيات، أو حين يضطر لنقل مريضه عبر نعاس الموتى من قرية معزولة الى مستشفى اقليمي لغياب الاجهزة الضرورية والاسعاف. لكن ما قيمة الاعتراف إذا لم يُترجم إلى إجراءات عاجلة؟ المواطن البسيط لا يهمه خطاب “الرؤية الاستراتيجية” بقدر ما يهمه أن يجد سريراً في قسم الولادة وأن يجد ثمن الدواء مناسب.

ما يعيشه المغرب من احتجاجات شبابية هذه الايام، من قبل جيل زد، هو تجسيد عملي لهذا التناقض بين وعود الإصلاح والواقع المرير.

شعار “لا نريد ملاعب، نريد مستشفيات” لم يأت من فراغ، بل من إحساس جماعي بأن الأولويات منحرفة، وأن كرامة المواطن تُهدر يومياً في أقسام الطوارئ والمراكز الصحية المتهالكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى