تراجع قيم المبادلات الخارجية تحت تأثير تراجع أسعار المواد الأولية عالميًا

حسين العياشي

شهدت المبادلات التجارية الخارجية للمغرب خلال الفصل الثاني من سنة 2025 تحولات لافتة، كشفت عن تراجع في المؤشرات المرتبطة بقيم الواردات والصادرات، في ظل تقلبات الأسواق الدولية وتباطؤ الطلب الخارجي. فحسب أحدث المعطيات الرسمية، انخفض مؤشر القيم الوحدوية بنسبة 5,7% عند الاستيراد و0,8% عند التصدير مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وهو ما يعكس بالدرجة الأولى انخفاض أسعار عدد من المنتجات الرئيسية في السوق العالمية.

الجزء الأكبر من هذا التراجع يعود إلى هبوط أسعار الطاقة والمواد المرتبطة بها بنسبة قاربت 19,2%، وهو ما ساهم في تقليص فاتورة الواردات الطاقية، التي طالما شكلت عبئًا ثقيلاً على الميزان التجاري المغربي. لكن في المقابل، لم يقتصر الأمر على هذا القطاع وحده، بل شمل أيضًا المنتجات الصناعية والزراعية، مثل المنتجات النهائية للاستهلاك (-6,0%)، المعدات الصناعية الجاهزة (-4,9%)، المواد نصف المصنعة (-4,4%)، إضافة إلى المواد الغذائية والمشروبات والتبغ (-1,7%). كما ساهمت المواد الخام ذات الأصل الحيواني والنباتي (-4,5%)، والمنتجات النهائية للتجهيز الفلاحي التي سجلت هبوطًا حادًا بلغ (-21,0%)، في تعميق هذا المنحى التراجعي.

على مستوى الصادرات، ورغم أن التراجع ظل محدودًا نسبيًا (-0,8%)، إلا أنه يعكس بدوره تأثيرات سلبية لتقلبات الأسواق العالمية، حيث تأثرت خصوصًا المنتجات الزراعية والمواد الخام، وهي قطاعات يعتمد عليها المغرب بشكل كبير في دعمه لموازين المبادلات. ويأتي هذا في سياق دولي يتسم بارتفاع المخاوف حول تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار عدد من المواد الأولية.

انخفاض قيم الواردات قد يخفف، بشكل نسبي، من عجز الميزان التجاري الذي ظل يشكل تحديًا بنيويًا أمام الاقتصاد المغربي، إلا أن الأمر لا يخلو من تداعيات سلبية. فتراجع القيم الوحدوية يرتبط أيضًا بانخفاض أسعار صادرات المغرب، ما يعني ضعف المداخيل بالعملة الصعبة، وهو ما قد يضغط على ميزان الأداءات ويؤثر على احتياطي العملات الأجنبية.

هذا التراجع في مؤشرات التجارة الخارجية يتزامن مع استمرار تقلبات أسعار الطاقة والمواد الأولية في الأسواق الدولية، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، الشريك التجاري الأول للمغرب، حيث سجلت المنطقة الأوروبية مستويات ضعيفة من الطلب الصناعي والفلاحي. كما أن الانخفاض الملحوظ في أسعار الحبوب والزيوت والمواد الغذائية عالميًا انعكس على الأسعار الموجهة للسوق المغربية.

يرى خبراء أن هذه المؤشرات، رغم ما تحمله من جانب إيجابي في تقليص كلفة الواردات الطاقية، تكشف في العمق هشاشة البنية التجارية للمغرب واعتماده الكبير على مواد خام ومنتجات منخفضة القيمة المضافة. وهو ما يفرض على الحكومة تعزيز توجهها نحو تنويع القاعدة الإنتاجية، وتشجيع الصادرات ذات القيمة العالية في مجالات مثل الصناعات التحويلية، الطاقات المتجددة، والسيارات والطائرات، التي أظهرت خلال السنوات الأخيرة دينامية مشجعة.

يبقى تراجع القيم الوحدوية في الواردات والصادرات خلال الفصل الثاني من 2025 مؤشرًا مزدوج القراءة: فهو من جهة يخفف جزئيًا من ضغط العجز التجاري، لكنه من جهة ثانية يعكس محدودية تنافسية الصادرات المغربية أمام تقلبات السوق العالمية. وبين رهان الاستفادة من انخفاض فاتورة الواردات وضمان استقرار مداخيل الصادرات، يبقى التحدي الأكبر هو تسريع وتيرة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني نحو قطاعات أكثر تنوعًا وقيمة مضافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى