بين الاستثمار الضخم والنمو المحدود.. جدري يكشف معضلة الاقتصاد الوطني

حسين العياشي

يطرح الخبير الاقتصادي محمد جدري تساؤلاً يثير القلق: كيف يعقل أن المغرب يخصص نحو 30% من الناتج الداخلي الخام للاستثمار، بينما يظل معدل النمو الاقتصادي محدودًا عند 3% فقط؟ هذه المفارقة تكشف أزمة حقيقية على مستوى توجيه الميزانية العامة، وتسلط الضوء على الحاجة الماسة لإصلاحات هيكلية لضمان استثمار الموارد المالية بفعالية تعود بالنفع المباشر على الاقتصاد والمواطنين.

تشير معطيات مؤشر ICOR الدولي إلى أن المغرب يحتاج لاستثمار ضخم للوصول إلى نسبة نمو متواضعة. فبالرغم من تخصيص حوالي 30% من الناتج الداخلي الخام للاستثمار، فإن النمو الاقتصادي لا يتجاوز 3%، في حين أن دول آسيوية تخصص نسبًا أقل بكثير من الناتج الداخلي الخام، لكنها تحقق معدلات نمو أعلى بكثير. فعلى سبيل المثال، الصين، فيتنام، وكوريا الجنوبية تخصص حوالي 20% من ناتجها المحلي للاستثمار، لكنها تحقق نموا سنويًا يتراوح بين 6 و8%، ما يؤكد أن المشكلة لا تكمن في حجم الموارد المالية المتاحة، بل في طريقة إدارة واستغلال هذه الأموال.

يرى محمد جدري، أن التحدي الأساسي في المغرب هو سوء الحكامة وهدر المال العام، وانتشار الفساد في المشاريع العمومية. “نحن نصرف الأموال، لكن النتائج تظل محدودة”، يقول جدري، مضيفًا أن هذا الوضع يولد دوامة خطيرة: تراكم الديون، إهدار الموارد، وهجرة الشباب الباحث عن فرص أفضل.

كما يؤكد الخبير الاقتصادي، أن الحل يكمن في إعادة توجيه الاستثمار نحو مشاريع تحقق أثرًا ملموسًا للمواطنين. “نحن لا نريد استثمارًا يملأ الأرقام فقط، بل نريد استثمارًا يصنع مدارس عالية الجودة، مستشفيات مجهزة، ويخلق فرص عمل للشباب”، يضيف جدري. هذا التوجه يضمن استثمار الأموال العامة بكفاءة، ويعزز التنمية المستدامة، بدل أن تظل الموارد طي النفقات غير الفعالة.

يبين تحليل جدري، أن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة يتطلب أكثر من مجرد ضخ الأموال في المشاريع الكبرى، بل يستلزم إصلاحًا شاملًا لنظام الحكامة، تعزيز المحاسبة، ومكافحة الفساد بصرامة. فالمغرب أمام خيار واضح: إما الاستمرار في استثمار كبير بلا مردودية حقيقية، أو تحويل الموارد إلى مشاريع استراتيجية ترفع من جودة الحياة، وتضمن نموًا اقتصاديًا حقيقيًا ومستدامًا.

محمد جدري يضع النقاط على الحروف: حجم الاستثمار في المغرب كبير، لكنه بلا فعالية. مقارنة بالدول الآسيوية، يتضح أن الاستثمار الناجح لا يقاس فقط بالمال المخصص، بل بكيفية استثماره، ومدى تحقيقه للأهداف الاقتصادية والاجتماعية. الحل يكمن في تحسين الحكامة، توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الحيوية، وضمان أن كل درهم يُصرف يعود بالنفع المباشر على المواطنين ويقوي الاقتصاد الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى