احتجاجات الشباب..بين خطاب ملكي يُعانق المستقبل وحكومة شاردة تغرد خارج السرب

بقلم عبد الكريم ناصري
شهدت عدد من المدن المغربية موجة من الاحتجاجات السلمية قادها شباب يمثل بحق مستقبل الوطن شباب خرج إلى الشارع للتعبير عن معاناته الاجتماعية والاقتصادية وعن فقدانه للأمل في السياسات الحكومية التي لم تعد قادرة على مجاراة تطلعاته.
غير أن ما أثار القلق هو الطريقة التي جرى بها التعامل مع هذه التحركات، حيث عوض الإنصات لهذه الفئة الحساسة والاستجابة لمطالبها المشروعة كان الخيار الأمني هو الجواب مشهد مؤسف يضع البلاد في تناقض صارخ: كيف نتحدث عن ضرورة إشراك الشباب في الحياة السياسية ونؤكد على كونهم المحرك الأساسي للتنمية ثم نواجه أصواتهم بالعنف والاعتقال؟
لقد ألقى جلالة الملك محمد السادس، في خطاب العرش الأخير كلمات واضحة حين شدد على أنه “لا مكان لمغرب بسرعتين” وأن المستقبل يقتضي تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية هذه التوجهات الملكية الطموحة تترجم على الأرض من خلال أوراش ملكية كبرى في مجالات البنية التحتية الاقتصاد الحماية الاجتماعية وتشجيع الاستثمار غير أن الحكومة الحالية أثبتت أنها غير قادرة على مواكبة هذه الدينامية وبدت صماء أمام أصوات الشارع وعاجزة عن تقديم حلول عملية.
الصور التي روجت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لمشاهد الاعتقالات ومطاردات الشباب لا تخدم صورة المغرب ولا تنسجم مع الرؤية الملكية التي تسعى إلى بناء بلد متماسك متضامن وجاذب للاستثمار على العكس هذه الممارسات تعيدنا خطوات إلى الوراء وتضعف الثقة في المؤسسات في وقت يحتاج فيه المغرب إلى كل طاقاته الحية
إن المسؤولية السياسية والأخلاقية تقع بشكل مباشر على عاتق الحكومة التي تمتاك كل مقومات النجاح من قوة عددية داخل البرلمان الى هيمنة على الجماعات الترابية كان من واجبها الاستباق والإنصات والتفاعل مع مطالب الشباب عوض ترك الأمن في مواجهة مستقبل البلاد فالمشكل اجتماعي واقتصادي بالأساس والحل يمر عبر سياسات عمومية جريئة وليس عبر المقاربة الأمنية وحدها.
اليوم بات واضحا أن ما يعيشه المغرب من احتقان شعبي هو نتيجة مباشرة لـفشل الحكومة في تدبير المرحلة وعجزها عن خلق الثقة وبناء قنوات حوار حقيقية مع الشباب وإذا كانت بلادنا قد راكمت إنجازات كبرى بفضل الرؤية الملكية فإن هذه المكتسبات مهددة بالضياع إذا استمرت الحكومة في نهجها الحالي.
المغرب في حاجة إلى حكومة تواكب الأوراش الملكية تصغي للشباب وتترجم خطابات جلالة الملك إلى سياسات ملموسة أما الاستمرار في دفن الرأس في الرمال فسيعني مزيدا من الاحتقان ومزيدا من فقدان الثقة.