غياب النصاب يُطيح بدورة أكتوبر.. ورئيس جماعة مكناس يوضح الملابسات

حسين العياشي
تعثّرت دورة مجلس جماعة مكناس المقررة في 7 أكتوبر الجاري، قبل أن تُفتح رسمياً: 26 عضوًا حضروا من أصل 61، النصاب الغير المكتمل؛ أسقط ساعة رصاص سياسية على قاعة الاجتماعات، وأرجأت نقاش ميزانية 2026 ومشاريع تنموية يُنتظر أن تغيّر وجه المدينة. ما بدا إجرائيًا على الورق تحوّل في الواقع إلى فصل جديد من مسلسل الاحتقان، بين رئيس المجلس وأعضاء يسير بعضهم، بحسب ما أكّدته الساكنة المكناسية، في منطق تعطيل متعمّد يعرقل إدارة المدينة ويؤخّر مشاريعها الحيوية.
عباس المغاري استقبل الواقع بغضب لا يخفيه، الرئيس الذي راهن على إقرار ميزانية تفتح صفحة جديدة للمناطق الخضراء والإنارة العمومية والمرافق الرياضية والثقافية، وجد مقاطعة واسعة من مستشارين اختاروا الغياب عن قاعة النقاش، بدلاً من الترافع داخلها بالوجه المكشوف، والتصويت على النقاط إما بالقبول أو الرفض. المغاري يعتبر عدم الحضور ليس مجرد رفض لحظة، بل تكتيك يقطع على المدينة فرصة البناء ويحوّل النقاش العام إلى حرب أجنحة داخل بيت الإدارة المحلية. وفي تصريحه ل”إعلام تيفي” وصف المقاطعة بأنها سلوك يضرب الزمن التنموي لمكناس ويهدر حقوق السكان، وهو الأمر الذي عانت منه المدينة لعقود خلت، كنا نرجوا وضع قطيعة معها.
إن أهمية جلسة السابع من أكتوبر، لا تكمن في طقوس التصويت فحسب، بل في محطة حاسمة لإطلاق مشاريعٍ تنتظرها أحياء تعبت من الإهمال. ميزانية 2026 التي تُناقشها الجماعة ليست أرقامًا عابرة، بل خريطة مشاريع يمكن أن تلامس مشاغل يومية: شرايين إنارة انطفأت، ملاعب مهجورة، حدائق متروكة. تأجيل المصادقة يعطّل تنفيذ عقود، يوقف صفقات الصيانة، ويرسّل رسائل سلبية إلى مقاولين ومستثمرين ينتظرون الضمانات المالية للمضي قدماً.
الركن القانوني يبدو واضحًا: القانون التنظيمي رقم 113.14 ينصّ على حلّ فني لهذه الحالة، حيث تؤجل الجلسة تلقائيًا إلى اليوم الثالث الموالي لتنعقد بمن حضر. لكن الإجراءات القانونية لا تطمس البعد السياسي. المتابعون يرون أن تكرار مقاطعات أو غيابات مماثلة يتحوّل إلى سلاح سياسي لفكّ توازنات الأغلبية أو لإجبار الرئيس على التنازل في ملفات حسّاسة، وخصوصًا تلك المرتبطة بالتدبير المفوض والعقود الكبرى التي تشكّل جمرًا تحت الرماد في ميزانية الجماعة.
من أين ينبع هذا التعطيل؟ الميدان يعكس مشهداً مركبًا: تصدعات داخل التحالف المسير، صراعات على مواقع التأثير، شعور بعض المستشارين بالتهميش، وربما حسابات انتخابية تستبق مواعيد داخلية أو استحقاقات مقبلة. هناك أيضًا ملفات مالية واقتصادية تُثير خلافات جدّيّة: تعديلات على منح التدبير المفوض، إعادة جدولة بعض الصفقات، ومسائل شفافية في طريقة اختيار المتعاملين. جميعها يخلق مناخًا تُترجم فيه المقاطعة إلى أداة ضغط لا أقلّ ولا أكثر.
ثمن هذا اللعب السياسي لا تدفعه الأجندات الحزبية بل المواطنات والمواطنون. مشاريع، تأخيرها يعني استمرارية العطب في الخدمات، تفاقم الفوارق الحضرية، وتآكل الثقة في المؤسسات المنتخبة. وفي محطات حسّاسة مثل مكناس التي تشكو تأخراً في قطار التنمية، يصبح أي تعطيل مؤشراً خطيراً على فقدان الفاعلية المحلية وقابلية المدينة لجذب استثمارات ذات أثر اجتماعي.
المشهد يضع سؤالين أساسيين على الطاولة: الأول سياسي داخلي يخصّ كيفية استعادة الثقة داخل مكونات المجلس فيما تبقى من ولايته، وهل ستستسلم قيادته للضغوط وتقوم بتوزيع المسؤوليات؟ الثاني إداري يؤشر إلى ضرورة شفافية أكثر، عدالة في تدبير الصفقات، ومراجعات سريعة لملفات التدبير المفوض التي تبدو أبرز نقاط الاحتكاك.
خلاصة المشهد ليست مرتكزة على هزيمة مؤسسة أو نجاح لحظة. إنها اختبار لبلورة ثقافة تدبير مختلفة في الجماعات المحلية. ثقافة تقوم على مبادئ الشفافية، المشاركة، والمساءلة بدل آليات الإقصاء والغلبة العددية. مكناس اليوم تحتاج إلى قرار شجاع من منتخبيها، يجمع بين إحياء الحوار وتأمين زمن إنجاز المشاريع. أما المجتمع المدني والهيئات المهنية، فدورها أساسي في الضغط من أجل مصلحة عامة لا تقبل المساومة.
المدينة تنتظر ما هو أكثر من بيانات إعلامية ومناداة قانونية؛ تنتظر بلوغًا مؤسساتيًا يقود إلى نتائج ملموسة في الشارع. وإذا ظلّت أدوات السياسة المحلية تُستهلك في معارك جانبية، ستبقى ساكنة مكناس هي الخاسر الأكبر، وستتعمق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة. المآلات أمام جميع مكونات المجلس: فهل سيعبرون هذه العثرة بإعادة بناء توازنٍ مؤسسي قادر على إنجاز ما وعدوا به، أم ستظل المدينة رهينة حسابات تستنسخ سنوات من التأخر؟