تقارير الحسابات تكشف فضيحة تأمينات الجماعات: مستفيدون وهميون وعمّال بلا حماية

حسين العياشي
تكشف تقارير حديثة صادرة عن المجالس الجهوية للحسابات في الدار البيضاء–سطات، بني ملال–خنيفرة، والرباط–سلا–القنيطرة، عن اختلالات عميقة في تدبير ملفات التأمين ضد حوادث الشغل الخاصة بموظفي الجماعات الترابية. اختلالات وُصفت بـ”الخطيرة”، بعدما أظهرت التحقيقات أن جماعات محلية أدت اشتراكات عن أشخاص لا تربطهم أي علاقة وظيفية بالإدارة، في حين ظل موظفون فعليون، خصوصاً في المهن عالية المخاطر، خارج أي تغطية تأمينية.
تُفيد المعطيات التي تسربت من هذه التقارير، والتي تناولتها عدة وسائل إعلام، أن عدداً من الجماعات أدخلت ضمن لوائح التأمين أسماءً لا تظهر في السجلات الرسمية للموظفين، لا كمتعاقدين ولا كمؤقتين ولا كعمال عرضيين. وهي ممارسة مخالفة للمادة الثانية من القانون رقم 18.01، التي تحصر الاستفادة من التأمين على فئة الموظفين والعاملين التابعين فعلاً للمرافق العمومية.
وتشير الوثائق إلى أن بعض المستفيدين من هذه التغطية لا علاقة لهم بالإدارة الجماعية، بينما وجد قضاة المجالس الجهوية للحسابات حالات معاكسة لموظفين يزاولون مهامهم في ظروف شديدة الخطورة دون أي تغطية تأمينية، خصوصاً في قطاعات الصيانة، النظافة، الإنارة العمومية، الحدائق، والمجازر. هؤلاء العمال، كما وثق المفتشون، لا يكتشفون غياب التأمين إلا بعد وقوع حادث شغل يتركهم في مواجهة مصيرهم دون أي حماية قانونية أو تعويض مستحق.
في المقابل، رصدت التقارير استفادة بعض المنتخبين والمستشارين من امتيازات تأمينية لا أساس قانوني لها، رغم أن مهامهم لا تُصنف ضمن الوضعيات الإدارية الدائمة. هذه التجاوزات تطرح أسئلة حادة حول معايير الشفافية في تدبير المال العام، وحول غياب الرقابة الداخلية التي تسمح بمثل هذه الانحرافات.
وتنعكس هذه الفوضى التأمينية بشكل مباشر على مالية الجماعات المحلية، خاصة في جهة الدار البيضاء–سطات، حيث تراكمت القضايا القضائية المرتبطة بحوادث الشغل، وانتهت بإدانات قضائية تُلزم الجماعات بدفع تعويضات باهظة. ونتيجة لذلك، باتت ميزانيات بعض الجماعات تخصص سنوياً اعتمادات مالية لتغطية هذه التعويضات، على حساب مشاريع تنموية أخرى.
القضاة شددوا كذلك على أن المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 113.14 تُلزم الجماعات بتأمين أعضاء مجالسها ضد حوادث الشغل أثناء أداء المهام الرسمية، إلا أن الواقع الميداني يُظهر ضعف التطبيق وغياب المتابعة من قبل السلطات الوصية.
هذه الخلاصات، التي تكشف هشاشة المنظومة التأمينية داخل الجماعات، تعيد إلى الواجهة النقاش حول الحكامة في تدبير الموارد البشرية المحلية، وتؤكد الحاجة الملحة إلى آليات مراقبة فعالة تمنع استنزاف المال العام لصالح “مستفيدين وهميين”، وتضمن في المقابل حماية حقيقية للعاملين في الميدان الذين يتحملون المخاطر يومياً دون مظلة أمان قانونية أو اجتماعية.