قبعة القش رمز للتمرد.. لن تفك شفرة احتجاجات “جيل Z” دون فهم عميق ل”One Piece”

حسين العياشي
في أرجاء العالم، خرج آلاف الشباب من جيل Z إلى الشوارع للاحتجاج على الظلم الذي يواجهونه يوميًا. لكن ما يميز احتجاجاتهم عن كل الحركات السابقة ليس فقط مطالبهم، بل اللغة الرمزية التي اختاروا التعبير بها: راية القراصنة المبتسمة، مزينة بقبعة القش الشهيرة، من عالم الأنمي الياباني “One Piece”. قد يتساءل البعض: لماذا هذا الشعار؟ وما علاقتهم بشخصيات الأنمي؟
في المانغا، يواجه لوفي حكومات عالمية فاسدة وقراصنة أقوياء، يبدون أقوى منه عدداً وقوة، لكنه لا يهادن، ولا يركع أمام الظلم مهما بلغت قوته، بل يكرس كل جهوده لتحرير الضحايا وإعادة العدالة. نفس الروح تجسدت في احتجاجات شباب جيل “Z”، حيث تحدوا الفساد والنقص في الفرص والظلم الاجتماعي، متحدين بقوة عزيمتهم كما لو كانوا على متن سفينة لوفي، يبحرون نحو عالم أكثر عدلاً.
هذا الترابط القوي بين الخيال والواقع، يجعل متابعة هذه التحركات أكثر تعقيدًا، لغة الرموز التي يستخدمها الشباب، المستوحاة من One Piece. في كل تجمع، وفي كل دردشة على Discord، يتحدث الشباب وكأنهم جزء من عالم القراصنة: يربطون شخصيات الأنمي بمسؤولين في الواقع، ويستعملون أسماء الشخصيات كرموز لأفكارهم وقراراتهم. فقد يُشير أحدهم إلى “Luffy” للدلالة على من يقود المبادرة، و”Zoro” لمن يتحمل المخاطر، و”Robin” للباحثين عن المعلومات.
هذا الترميز يجعل حديثهم في المجموعات، أشبه برسائل مشفرة لا يفهمها سوى من هم داخل دائرة جيل “Z”، ويعطيهم حرية أكبر في التعبير عن سخطهم، التخطيط للاحتجاجات، أو مشاركة الأخبار من دون رصد مباشر من السلطات. كل رسالة، كل صورة لراية قبعة القش، وكل إشارة إلى مغامرة معينة في المانغا تحمل معنى مزدوجًا: ظاهرها ثقافي، وباطنها سياسي. One Piece أصبحت بذلك بمثابة قفص سري يحمي تحركاتهم ويمنحها زخماً لا يمكن قياسه بالأدوات التقليدية.
ولفهم دوافع هؤلاء الشباب وخلفياتهم الفكرية، لا يكفي مجرد مراقبة الشوارع أو قراءة الأخبار، بل يجب مشاهدة حلقات الأنمي نفسها وفهم مغامرات لوفي وطاقمه وأعدائه. فكما يقاتل لوفي ضد الحكومة العالمية الفاسدة ويسعى لتحرير المظلومين، رفع هؤلاء الشباب نفس التحدي في الواقع: مواجهة النخبة السياسية غيرال شفافة، فضح الفساد، والمطالبة بالعدالة والمساواة. كثيرون منهم يربطون بين أحداث المانغا وممارسات الحكومات الخفية، بين مغامرات القرصان الصغير وشجاعتهم في التظاهر، بين السعي للحرية في البحار وبين المطالبة بحقوقهم في الشوارع والمدن.
النتيجة: جيل Z لا يثور من فراغ، بل من فهم ثقافي وسياسي عميق، مستوحى من أنمي أصبح أكثر من مجرد قصة للأطفال. إنه رمز للتمرد، للشجاعة، للعدالة، وللمقاومة ضد الظلم. ومن يقرأ حركاتهم دون إدراك هذه الرموز، لن يفهم إلا جزءًا ضئيلاً مما يحدث على أرض الواقع.
ختامًا، يمكن القول إن راية قبعة القش ليست مجرد شعار، بل رسالة عالمية، وفكر ثوري، ولغة مشتركة تجمع ملايين الشباب في كل القارات، متحدين في مواجهة الظلم، متحدين في أحلامهم بالحرية، متحدين كما لو كانوا على متن سفينة لوفي، يبحرون نحو عالم أكثر عدلاً.