اليماني: الأرباح الفاحشة للمحروقات ممكن أن تبني 20 مستشفى جامعي في المغرب

حسين العياشي

منذ أن أقدمت حكومة عبد الإله بنكيران على قرار تحرير أسعار المحروقات، يعيش المغاربة على إيقاع ارتفاع مستمر في الأسعار واتساع غير مسبوق في هوامش أرباح الشركات الموزعة. قرارٌ وُصف آنذاك بأنه إصلاح هيكلي سيوجه أموال المقاصة نحو التعليم والصحة، لكنه تحوّل – كما يقول الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز – إلى بوابة مفتوحة أمام الربح الفاحش على حساب معيشة المواطنين.

وفق معطيات السوق الدولية وسعر صرف الدولار وتكاليف النقل والتخزين، فإن الكلفة الحقيقية للتر الغازوال لا تتجاوز 5.8 دراهم، بينما لا يتعدى لتر البنزين 5.2 دراهم. وبعد إضافة الضرائب المفروضة على الاستهلاك والقيمة المضافة، يفترض أن يصل السعر إلى 9.1 دراهم للغازوال و9.9 دراهم للبنزين.

لكن الأسعار في محطات التوزيع، خلال أكتوبر الجاري، تجاوزت 10.7 دراهم للغازوال و12.7 دراهم للبنزين، أي بهامش ربح إضافي يصل إلى 1.6 درهم في الغازوال و2.8 درهم في البنزين لكل لتر، مقابل أرباح لم تكن تتعدى 0.6 و0.7 درهم قبل التحرير.

ويشرح اليماني أن هذه الفوارق الهائلة، ومع استهلاك سنوي يناهز 7 مليارات لتر من الغازوال ومليار لتر من البنزين، تعني أن شركات التوزيع تجني 9 مليارات درهم سنوياً من الأرباح الزائدة. أي أن المغاربة أدّوا – منذ عشر سنوات من التحرير – ما يفوق 90 مليار درهم لصالح لوبيات تتحكم في السوق خارج قواعد المنافسة الحرة.

هذه المليارات المهدورة، كما يقول اليماني، لم تترجم إلى خدمات عامة أفضل، بل تزامنت مع تراجع حاد في التعليم والصحة، وهما القطاعان اللذان بُرّر بهما قرار حذف الدعم من صندوق المقاصة. ويرى أن ما جُمع من أرباح في سوق المحروقات كان يمكن أن يغيّر وجه المغرب لو استُثمر في إصلاح المنظومة الصحية التي تعاني اختلالات عميقة.

فحسب تقديرات خبراء الصحة، فإن 70 إلى 80 مليار درهم كافية لإصلاح النظام الصحي بشكل جذري. وللمقارنة، يشير اليماني إلى أن بناء المستشفى الجامعي الجديد بالرباط، أحد أكبر المنشآت الصحية في إفريقيا، لا تتجاوز كلفته 4.5 مليارات درهم، ما يعني أن أرباح المحروقات منذ التحرير كانت كافية لبناء عشرين مستشفى جامعياً من الطراز نفسه.

لم يتوقف الضرر عند ارتفاع الأسعار فقط، بل امتد – وفق اليماني – إلى ضرب الأمن الطاقي الوطني عبر إغلاق شركة سامير في الفترة نفسها التي تم فيها تحرير السوق. فبينما كانت الشركة تشكل ركيزة في تأمين حاجيات المغرب من المشتقات النفطية وتخزينها، أدى توقفها إلى ارتهان السوق بشكل كامل للشركات الموزعة المستوردة، وإلى ضياع آلاف مناصب الشغل، وتعميق التبعية الطاقية للخارج.

ويعتبر اليماني أن ما جرى “جريمة اقتصادية واجتماعية مكتملة الأركان”، لأن الدولة أغلقت المصفاة وتركت السوق حرة بلا رقابة، لتتحول المحروقات إلى سلعة استراتيجية تحت رحمة قلة من المتحكمين.

كما يذكّر في السياق نفسه، بأن بنكيران الذي كان وراء قرار التحرير، لم يُخف رغبته في المضي قدماً نحو تحرير الغاز والسكر والدقيق والماء والكهرباء، لو استمر في الحكومة.

لكن الواقع، كما يقول، كشف أن تحرير الأسعار لم يحقق أي تحسن في الخدمات العمومية، بل زاد من هشاشتها، في حين تضاعفت الأرباح الخاصة وارتفعت كلفة المعيشة.
أما الحكومات المتعاقبة – من بنكيران إلى العثماني ثم أخنوش – فقد واصلت نفس النهج، دون مراجعة أو تقييم حقيقي لنتائج القرار.

ويؤكد اليماني أن إصلاح الوضع لم يعد ترفاً بل ضرورة وطنية عاجلة، داعياً إلى:

  1. مراجعة قرار تحرير أسعار المحروقات وإعادة ضبط السوق بما يضمن الشفافية وعدالة الأسعار؛
  2. تأميم شركة سامير وتفويتها للدولة لتأمين تكرير النفط وتخزينه محلياً؛
  3. تخفيض الضرائب المفروضة على المحروقات ومتابعة المتهربين ضريبياً وفق مداخيلهم وثرواتهم؛
  4. إعادة الاعتبار للمرفق العمومي في مجالي الصحة والتعليم؛
  5. فتح تحقيق شامل لتحديد المسؤوليات السياسية والاقتصادية في ملف التحرير وإغلاق سامير.

ويختتم اليماني بالقول إن تحرير أسعار المحروقات دون حماية المستهلك ولا دعم الإنتاج الوطني لم يكن إصلاحاً، بل انحرافاً اقتصادياً أضرّ بالمغاربة لعقد كامل، وأن “إعادة التوازن بين السوق والمجتمع لن تتم إلا بإرجاع الدولة إلى دورها الطبيعي في ضبط الأسعار وحماية المواطن من جشع الشركات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى