الدخول البرلماني بين غضب الشارع وانتظار التوجيه الملكي السامي

اعلام تيفي

اعلام تيفي

تتجه الأنظار، اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، نحو قبة البرلمان المغربي، حيث تُفتتح الدورة التشريعية الجديدة في ظرف استثنائي يطغى عليه الغليان الاجتماعي، بعد أسابيع من احتجاجات متواصلة قادها شباب “جيل Z” في عدد من المدن، مطالبين بإصلاحات عميقة وواقعية تتجاوز الشعارات التقليدية.

هذه الدورة لا تُعتبر عادية، بل تمثل، بحسب مراقبين، امتحاناً حقيقياً لقدرة المؤسسة التشريعية على استعادة ثقة المغاربة وإثبات جدواها كوسيط بين الدولة والمجتمع، في ظل تآكل مصداقية الأحزاب والنقابات وتزايد أشكال جديدة من التعبير والاحتجاج، خصوصاً عبر الفضاء الرقمي.


لحظة فاصلة بين نهاية ولاية وبداية مساءلة

يؤكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أحمد البوز، أن الدخول البرلماني الحالي يشكل “منعطفاً مفصلياً” في المسار السياسي للمملكة، لأنه يأتي في السنة التشريعية الأخيرة من عمر الولاية البرلمانية، ما يجعله مناسبة لتقييم حصيلة التجربة الحكومية والتشريعية، واختبار مدى التزام الأغلبية بوعودها أمام الرأي العام قبل الانتخابات المقبلة.

ويضيف البوز أن البرلمان يجد نفسه اليوم أمام امتحان مزدوج: تشريعي من حيث جودة القوانين المنتظرة، وسياسي من حيث استعادة دوره التمثيلي والرمزي، خاصة بعد أن عبر الشارع المغربي، من خلال احتجاجات الشباب، عن أزمة ثقة عميقة في جدوى الوسائط السياسية التقليدية.


بين القوانين الحساسة واستعادة الشرعية المفقودة

وتبرز ضمن جدول الأعمال التشريعي لهذه الدورة ملفات من العيار الثقيل، مثل مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وقانون تنظيم التعليم العالي، وهما نصان يثيران جدلاً واسعاً في الأوساط المهنية والأكاديمية.
ويرى البوز أن قانون التعليم العالي يكتسي أهمية خاصة لكونه يلامس أحد أبرز مطالب المحتجين من “جيل Z”: العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص، وهي قضايا جعلت من المدرسة والجامعة رمزين للتفاوت الاجتماعي الذي يرفضه هذا الجيل.

ويحذر الخبير الدستوري من أن استمرار ضعف الأداء التشريعي وغياب النقاش العمومي الجاد داخل البرلمان من شأنه أن يعمّق الفجوة بين النصوص الدستورية والممارسة الواقعية، ما يعزز الإحساس الشعبي بـ”انفصال النخب عن الشارع”.


إصلاح القوانين ليس كافياً… المطلوب ترميم الثقة

في هذا السياق، يدعو البوز المؤسسة التشريعية إلى تحويل الدورة الحالية إلى محطة لاستعادة الثقة السياسية، من خلال مراجعة القوانين ذات البعد المؤسساتي، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالانتخابات المقبلة، بهدف إعادة تعريف العلاقة بين الفعل التشريعي والإرادة الشعبية.

ويشدد على أن البرلمان مطالب بأن يعود فضاءً حقيقياً للنقاش العمومي، وأن يُظهر قدرته على الإنصات لصوت الشارع، بدل أن يتحول إلى مؤسسة شكلية معزولة عن نبض المواطنين.


الخطاب الملكي.. بوصلة اللحظة السياسية

الاهتمام الأكبر يبقى موجهاً نحو الخطاب الملكي المرتقب في افتتاح الدورة، والذي يُنتظر أن يحمل توجيهات حاسمة في ضوء التوتر الاجتماعي المتصاعد.
ويرى البوز أن هذا الخطاب يتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد، إذ يمثل لحظة لتجديد التفاعل بين المؤسسة الملكية والمجتمع، وربما لرسم ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولة وشبابها.

ويقول المتحدث إن “جيل Z أعاد رسم خريطة المجال العمومي المغربي، عبر فرض أجندة جديدة للنقاش خارج المؤسسات، ما يجعل من الخطاب الملكي فرصة لإعادة تأطير هذا التحول وإعادة وصل السياسة بالمجتمع”.


 لحظة الحقيقة

افتتاح الدورة البرلمانية لهذا العام لا يُعد مجرد محطة تشريعية عادية، بل لحظة سياسية فاصلة بين جيل يطالب بإصلاح جذري وثقة مفقودة في المؤسسات.
فإما أن ينجح البرلمان في إثبات أنه ما يزال قادراً على لعب دوره الوسيط والتمثيلي، أو يستمر الانفصال بينه وبين الشارع، ما ينذر بتحولات أعمق في المشهد السياسي المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى